أرشيف رسائل الأحد الشهرية لسنة 2012

Monthly Sunday Messages Archive for Year 2012

ٍSunday Message Page Site Map Home Page

Sep  2012

ايلول 2012

الـعـــدد (103)

الموضوع : الإرشادُ الرَّسوليُّ ما بعدَ السّينودُس الكنيسةُ في الشَّرقِ الأوسط للبابا بندكتُس السّادس عشر إلى البطاركةِ والأساقفةِ  والإكليروسِ والأشخاصِ المكرَّسين والمؤمنين العَلمانيِّين حول الكنيسة في الشَّرق الأوسط، شَرِكة وشَهادة ُ

 أعطي في بيروت، لبنان، في الرّابع عشر من أيلول/سبتمبر 2012

 

1. الكنيسةُ في الشَّرقِ الأوسط، والَّتي تَحجّ على هذه الأرضِ المباركة منذ فجر الإيمان المسيحيّ، تواصل اليومَ بشجاعةٍ شَهادتَها، ثمرةَ حياةِ شَرِكَةٍ مع الله ومع القريب. شَرِكةٌ وشَهادة! كانت هذه في الواقعِ القناعة الَّتي شَكَلّت محوَرَ الجمعيّة الخاصَّة لسينودسِ الأساقفةِ من أجلِ الشَّرقِ الأوسطِ الَّتي اجتمعت، حولَ خليفة بطرس من 10 وحتّى 24 من تشرين الأوّل/أكتوبر 2010، حولَ موضوع: الكنيسة الكاثوليكيّة في الشَّرق الأوسط، شَرِكة وشَهادة. "وكانَ جَماعةُ المُؤمنينَ قَلبًا واحدًا ورُوحًا واحِدَةً" (أع 4، 32).

2. أودُّ في مطلعِ الألفِ الثّالثِ أن أستودعَ هذه القناعة، الَّتي تستمدُّ قوَّتَها من يسوعَ المسيح، إلى العنايةِ الرَّعَويّةِ لكافةِ رعاةِ الكنيسةِ الواحدةِ والمُقَدَّسةِ والجامعةِ والرَّسوليّة، وبنوعٍ خاصٍّ إلى الأخوةِ البطاركةِ ورؤساءِ الأساقفةِ والأساقفةِ الموقّرين الَّذين يسهرون مَعَاً، باتّحادٍ مع أسقفِ روما، على الكنيسةِ الكاثوليكيّةِ في الشَّرقِ الأوسط. يَعيشُ في هذه المنطقةِ مؤمنون، من أبناءِ البلاد، ينتمون إلى الكنائسِ الشَّرقيّةِ الكاثوليكيّةِ ذات الحَقّ الخاصّ: كنيسة الإسكندريّة البطريركيّة للأقباط؛ كنائس أنطاكيا البطريركيّة الثّلاث: الرّوم الملكيِّين، السّريان والموارنة؛ كنيسة بابل البطريركيّة للكَلدان وكنيسة قيليقيا للأرمن. كما يعيش في المنطقة أساقفةٌ وكهنةٌ ومؤمنون ينتمون إلى الكنيسة اللاتينيّة. وهناك أيضاً كهنةٌ ومؤمنون قَدِموا من الهندِ، من الأبرشيَّتِين الكبريِّين: إيرناكولام أنغامالي للسّريان المالابار وتريفاندروم للسّريان المالانكار، ومن كنائسَ شرقيّةٍ ولاتينيّةٍ أُخرى في آسيا وأوروبا الشَّرقيّة، بالإضافة إلى مؤمنين كثيرين جاؤوا من أثيوبيا وإرتريا. يشهد هؤلاء مَعَاً لوحدة الإيمان ضمن تَنْوّع تقاليدهم. أريد أن أستودعَ هذه القناعةَ أيضاً إلى جميع الكهنةِ والرّهبانِ والرّاهباتِ والمؤمنين العَلمانيِّين الشَّرق أوسطيِّين، واثقاً بأنّها ستكون دافعاً لخدمةِ ولرسالةِ كلّ شخص داخلَ كنيسته، ووفقاً للمواهب الَّتي منحه إياها الرّوح، من أجل استنارة الجميع.

3. إنَّ الشَّرِكة، من منظار الإيمان المسيحيّ، هي "حياةُ الله نفسُها الَّذي يُعطيها لنا بالرّوح القدس بواسطة يسوع المسيح"[1]. إنَّها هبةٌ مِن عندِ الله الَّذي يَختبر حُرِّيَّتَنا وينتظر منَّا جواباً. إنَّ الشَّرِكةَ هي بطبيعتِها جامعة، لكونِ أصولِها إلهيّة. وإذا كانتْ ملزِمةً بالنّسبة للمسيحيِّين، بدافع إيمانِهم الرّسوليّ المشترك، فهي أيضاً منفتحةٌ على أشقَّائِنا اليهودِ والمسلمين وعلى جميع الأشخاص الَّذين ينتمون هم أيضاً، وبطرقٍ مختلفة، إلى شعبِّ الله. الكنيسة الكاثوليكيّة في الشَّرق الأوسط تعلم أنَّها لن تَتَمكّنَ من أن تُعبّر تعبيراً كاملاً عن هذه الشَّرِكة، على الصّعيدِ المسكونيِّ وفي مجالِ الحوارِ بين الأديان، إن لم تعملْ أوّلاً على تجديدِ هذه الشَّرِكةِ في داخلها، وعلى مستوى كلّ كنائِسها، ثمَّ لدى جميعِ أعضائِها: من بطاركةٍ وأساقفةٍ وكهنةٍ ورهبانٍ ومُكَرَّسين وعَلمانيِّين. إنَّ التّعمّق في حياةِ الإيمانِ الفرديِّةِ والتّجدّدِ الرّوحيّ داخلَ الكنيسةِ الكاثوليكيِّةِ سيسمحانِ ببلوغِ ملءِ حياةِ النِّعمةِ والثّيوسيس (التَّألُّه)[2]. هكذا تَكْتَسِّبُ الشَّهادة مصداقيّة.

4. يمكنُ أن يُشكِّلَ مثالُ الجماعةِ الأولى في أورشليمَ نموذجاً لتجديدِ الجماعةِ المسيحيِّةِ الحاليِّةِ كي تتحوَّلَ إلى مكانٍ للشَّرِكةِ من أجلِ الشَّهادة. يُقدِّم كتابُ أعمالِ الرُّسلِ، في الواقع، وَصْفَاً أوَّليّاً بسيطاً وجديراً بالاهتمامٍ لهَذه الجماعةِ الَّتي أبْصَرَتِ النورَ يومَ العنصرة: "وكانَ جَماعةُ المُؤمنينَ قَلبًا واحدًا ورُوحًا واحِدَةً" (راجع أع 4، 32). يُوجدُ منذُ البدءِ رباطٌ أساسيٌّ بينَ الإيمانِ بيسوعَ والشَّرِكةِ الكنسيِّةِ، تشير إليه العبارتانِ المنسجمتان: "قلب واحد ونفس واحدة". فليست الشَّرِكة من صنعِ البشرِ على الإطلاق. هي قبلَ كلِّ شيء وليدةُ الرّوحِ القدس الَّذي يَخلقُ فينا الإيمانَ العامِلَ بواسطةِ المحبّة (راجع غل 5، 6).

5. ظهرت وحدةُ المؤمنين، بحسبِ كتابِ أعمالِ الرُّسلِ، بفعلِ أنَّهم "كانوا يُداوِمونَ على الاستِماعِ إلى تَعليمِ الرُّسُلِ وعلى الحياةِ المُشتَركَةِ وكَسْرِ الخُبزِ والصَّلاةِ" (أع 2، 42). ومن ثمَّ فوحدة المؤمنين تتغذَّى إذاً من تعاليمِ الرُّسل (إعلان كلمة الله) الَّتي كانوا يتجاوبون معها بإيمانٍ مشترك، ومن الشَّرِكةِ الأخويّةِ (خدمة المحبّة)، ومن كَسْرِ الخبز (الإفخارستيَّا وجميع الأسّرَّار)، ومن الصَّلاةِ الفرديّةِ والجماعيّة. على هذه الأعمدةِ الأربعةِ ارتكزت الشَّرِكةُ والشَّهادة وسطَ جماعةِ المؤمنين الأولى. فلتتمكنِ الكنيسةُ، في الشَّرق الأوسط، بدون انقطاع منذ زمن الرّسل وحتّى يومنا هذا، من أن تجد في مثالِ هذه الجماعةِ القوتَ اللازم، لتَستمرّ حيّةً لديها ذكرى الأسلاف وديناميكيِّتهم الرّسوليّة!

6. اختبر المشاركون، في جمعيّةِ السّينودس، الوحدةَ داخلَ الكنيسةِ الكاثوليكيّةِ ضمنَ التّنوعِ الكبيرِ للسياقاتِ الجغرافيّةِ والدّينيّةِ والثّقافيّةِ والاجتماعيّة-السّياسيّة. يُعاشُ الإيمانُ المشتركُ ويُنشَر بشكلٍ رائعٍ ضمنَ تنوّعِ تعابيرهِ اللاهوتيّةِ والرّوحيّة واللّيتورجيّة والقانونيّة. وكما فعل أسلافي على كرسيّ بطرس، فإنِّي أجدّد هنا رغبتي في "أنّ طقوسَ الكنائسِ الشَّرقيِّةِ يجبُ حفظُها ودعمُها بورعٍ، لكونها تراثَ كنيسةِ المسيح بأسرها، يشعُّ فيه التّقليدُ المنحدرُ من الرُّسلِ عن طريق الآباء، ويؤكّدُ بتنوّعه وحدةُ الإيمانِ الكاثوليكيّ الإلهيّة"[3]. وأعرب لأخوتي اللاتين عن محبِّتي المتنبهةِ لاحتياجاتهم وضَرُوَراتِهم، تماشيا مع وصيّةِ المحبِّة، الَّتي تفوق كلّ الأشياء، ووفقا للقواعدِ القانونيّة.
 

الروزنامة الشهرية

الإثنين

    8  أيلول   2012        

تذكار ميلاد مريم العذراء

السبت

  14  أيلول   2012

عيد الصليب المقدس القداس الأول صباحاً 10,30 في اللويبدة و المسائي في الكاردنز 7

الأربعاء

  25  أيلول   2012

تذكار الشهيدة مسكنته و الشهيد طهمزكرد

 

قصة روحية: الخدمة المخفيّة

تقول قصّة خيالية أنّ الشمس لم تشرق يومًا في إحدى البلاد. استيقظ الفلاحون صباحا ليذهبوا إلى الحقول، لكن الظلام كان دامسًا. واستيقظ الموظفون في السادسة ليذهبوا إلى أعمالهم ولكن الظلمة كانت حالكة. واستيقظ التلاميذ ليذهبوا إلى المدارس، فلم يستطيعوا.

وعلى مدى ساعات النهار تعطّل كلّ شئ، وتوقّفت الحياة، وأصاب الناسَ القلقُ على زراعتهم، وارتعشت أجساد الأطفال والعجائز من البرد، ودبّ الخوف في قلب الجميع.

ولما أتى الليل، لم يظهر القمر. فذهب الجميع إلى دور العبادة، يرفعون الصلوات، ويردّدون الأدعية، ويصرخون ضارعين لتعود الشمس، ولم ينم أحد في تلك الليلة.

وفي الخامسة من صباح اليوم التالي أشرقت الشمس في موعدها، فتصايح الناس فرحًا، ورفعوا أيديهم إلى السماء، يرددون صلوات الشكر، ويتبادلون التهنئة. فقال لهم أحد حكماء المدينة: "لماذا شكرتم الله على طلوع الشمس اليوم فقط، ألم تكن تُشرق الشمس كل صباح؟"

القصة الروحية للاباء الساليزيان عن موقع جمعية التعليم المسيحي في حلب                www.talimmasihi.com


Aug  2012

اب 2012

الـعـــدد (102)

الموضوع : الموضوع:  اسحق ويوناتان بين الطاعة والنكران        للأب هاني باخوم

 

عديدة هي قصص الأبناء مع آبائهم في الكتاب المقدس، استوقفني منها موقف اسحق بعد موت أبيه إبراهيم، وموقف يوناتان أثناء حياة أبيه شاول، أول ملك لإسرائيل      فبعد موت إبراهيم،....عاد اسحق فحفر أبار الماء التي كان حفرها إبراهيم أبيه (تك 26: 18).

تبدوا هذه الجملة طبيعية، ابن يحتاج للمياه والتي هي رمز للحياة، بل الحياة نفسها، اي انه ابن يحتاج للحياة. حياة تدفق إلى الأبد، كما يعد المسيح السامرية، عندما قابلها عند البئر. هذا الابن يسعى ويفتش عن حياة، فأين يذهب كي يستقيها؟ حيث كان أباه يستقي. الابن يسعى ان يحيا فكيف له ذلك؟ يذهب حيث كان أبيه يحيا، أي يستمر في عمل نفس المسيرة، لأنه اختبر ورأى أن أبيه قد فعل ذلك فعاش سنين عديدة ومباركة. الابن يتذكر خبرة أبيه، ولكي يحيا يذهب فيحفر أبار أبيه. فمن هو أبيه وما هي تلك الآبار؟

         يدعو الله إبراهيم أبا اسحق. إبراهيم كان شخص محاط بطوفان الموت من كل جانب، مغمور به حتى العمق. إبراهيم متزوج من سارة العاقر. لا ينجب أولادا، لذلك لا يرى مستقبلاً، بل يرى نفسه يكبر في السن، ولا يوجد من يحمل اسمه من بعده ويكمل نسله. إبراهيم يرى الموت يحيطه من كل ناحية ولا يستطيع ان يفعل شيئاً. ماذا يستطيع ان يفعل امام عقم زوجته؟ لا شيء.

         وسط هذا الموت يظهر الرب لإبراهيم ويقول له: "انطلق من أرضك وعشيرتك وبيت أبيك إلى الأرض التي اريك. وأنا أجعلك امة كبيرة وأباركك وأعظم اسمك وتكون بركة" (تك 12: 1). كلمات وعد غريبة، تماماً بعكس ما هو عليه واقعه الحالي.  نعم، الرب يظهر له ويدعوه الى عدم الاستقرار بل الاستمرار في السير. الى اين؟ لا يعلم."إلى الأرض التي أريك إياها"، يقول الرب. إبراهيم قَبل الرحيل لا يعلم الى اين يجب ان يذهب. يذهب وراء وعد وكلمة. لكن هناك شرطاً أساسيا لكي يستطيع ان يتبع الرب، ويعرف اين ستكون الأرض الجديدة: عليه ان ينطلق، ان يترك أرضه وعشيرته وبيت أبيه.

          نعم، على إبراهيم ان يترك الأرض التي يعرف مكانها، من اجل ارض، لا يعرف الا الله وحده اين هي. الأرض هي الضمان، ضمان للعجز: عندما يصبح عاجزاً عن السير، ليسكنها ويدفن فيها. عليه ان يتركها، ويترك أيضا عشيرته. العشيرة هي القوة والأمان، بها يحتمي، ومعها يستقر. إبراهيم عليه ان يتخلى عن قوته، عن عشيرته. ان يترك بيت ابيه، حيث كَبُر وتكوّن. هذا البيت هو كل ماضيه وجذوره. منه استقى كيف يجب ان يكون مستقبله وكيف يحققه. عليه ان يثق بالرب أكثر من كل هذا.

         والوعد ليس فقط بأرض جديدة، بل ان يجعل منه امة كبيرة، نسلاً كبيراً. من رجل كبير في السن، وامرأة عاقر؟؟ نعم، يبدو ذلك مستحيلاً. لكن الرب يأخذ على عاتقه هذا الأمر. غريب هذا الوعد. من عقم يُعِد الرب حياةً. من وسط طوفان الموت يَعِد بحياة لا تنتهي ابداً. كيف يحقق كل هذا؟ ماذا يجب على إبراهيم ان يعمل؟ أن يترك كل ما ذكرناه. ان يترك نفسه تماماً بين يدي الرب.

         وإبراهيم لا يرد بأية كلمة. بل ينطلق كما قال له الرب (تك 12: 4). ويمر إبراهيم بخبرات عدية، وفيها يتعلم الإيمان، لان الإيمان مسيرة، وليس شيء ثابت، بل ينمو ويتجدد يوميا. وفي مسيرته هذه يحفر إبراهيم الآبار كي يرتوي منها هو ومن معه أثناء سيرة، أثناء طريقة في عمل مشيئة الرب. يحفر الآبار كي يستطيع ان يواصل المسيرة مع الرب، وكأن هذه المياه رمز للصلاة والتي تساعدنا ان نواصل مسيرتنا اليومية في مشيئة الرب. إبراهيم يحفر الآبار. وبالفعل يجد مياه، وها الوقت يمر ويتحقق وعد الرب ويأتي اسحق ابن الموعد. والان اسحق يريد ان يكمل نفس المسيرة، لانه تعلم من الأب ان هناك شيء واحد ضروري في الحياة وأساسي هو العمل بمشيئة الرب، يعرف هذا ولكي يحققه يأتي ويعيد حفر أباء أبيه. اسحق الذي راى أبيه يربطه كي يذبحه، لم يتشكك من هذا، لم يقل ان ابي متعصب، او أحمق، يريد قتلي من اجل ربه، بل يقول، حسب التقليد العبري: عاقدا، اي اربطني يا ابي، اربطني يا ابي وبشدة، كي لا أقاوم. اربطني وقدمني للرب، يقول هذا لانه رأى الأب يقدمه، راى إيمان الأب، فامن وقدم ذاته، علامة وصورة للمسيح، الذي رأي حب الله الأب، حب به قدم ابنه للعالم، فما كان له ألا ان يقدم ذاته هو أيضا للعالم. ابن تعلم الطاعة، نعم اسحق تعلم الطاعة لان رأى أبيه يطيع للأب. نعم كي يطيعونا أبناءنا ليس في احتياج للتهديد، او الوعيد او الإكراه، لكن في احتياج ان يرونا نطيع نحن أولا للأب.

         اسحق يريد ان يكمل المسيرة، يريد السعادة، يريد الحياة، فيأتي ويحفر أبار أبيه. وهناك ابن أخر يريد السعادة والانتصار والحياة أيضا مثل اسحق، ولكن ماذا يفعل؟ ماذا سيفعل يوناتان كي يحقق هذه السعادة والحياة؟

         يوناتان ابن شاول، اول ملك لإسرائيل، والذي رذله الرب، لأنه لم يطيع لأوامره. فيقول النبي صموئيل لشاول، الرب لا يثبت ملكك الى الأبد لانك لم تطيع أوامره. أردت ان يقدم لك الشعب الذبيحة، وتختار أفضلها لك وللشعب، أنت عصيت الرب (1 صم 13). وها هو شاول يحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الحرب، فيأمر بان لا ياكل الشعب حتى المساء،حتى  ينتقم من أعداه، ومن يأكل فيكون ملعون (1 صم 14). ويأتي ابنه يوناتان ويجد شهد العسل طيب، بل ومفيد كي يتمكن من الحرب وبقوة ينتصر على الأعداء. فيعلم بأمر أبيه، ولكنه لا يطيع. يأخذ ويأكل.

         ابن رأى الأب لا يطيع للاب، فما هو إلا لا يطيع الى ابيه. ابن راى ابيه يعتقد نفسه اذكي من الرب وأكثر منه حكمه فلا يطيعه، فماذا يفعل؟ أمام مواقف الحياة يعتقد هو ايضا نفسه اذكى واكثر حكمه من ابيه، فلا يطيع. ياخذ وياكل، لا يثق في تعليم ابيه، يكرر ما فعله ادم وحواء، لا يثقا في الرب.

هذا لا يعني ان ابن كل مطيع مطيع او العكس، بل يعني ان نقل الإيمان للأبناء، ليس بكلمات تقال او مواعظ تعلن بل مواقف يرى فيها الابن ابيه يثق في الله حتى وان كان ضد كل عقل وحكمه بشرية. نعم هذان هما اسحق ويوناتان ابنان بين الطاعة والنكران
 

الروزنامة الشهرية

الإثنين

    6  أب    2012        

عيد التجلي الإلهي- اقامة سفرة الى مزار مار شربل و الاحتفال في منتزه عمان القومي

السبت

  11  أب   2012

احتفالية التناول الأول لأطفال رعية قلب يسوع الأقدس الكلدانية في كلية تراسانطة

الأربعاء

  15  أب   2012

عيد سيدة الانتقال الاحتفال بالقداس و اقامة الشيرة في دير الأباء اليسوعيين 6-مساءً

الجمعة     

  24  أب   2012

تذكار الشهيد البطريرك الجاثليق مار شمعون برصباعي +341

الجمعة

  31  أب   2012

تذكار تذكار مار قرداغ

 

قصة روحية: قدمة الذات

كان "شاه عباس" احد الملوك العظماء في الامبراطورية الفارسية القديمة. تميّز حكمُه بالقوة والنفوذ، كما تميز بالتواصل مع شعبه الكبير في الإمبراطورية العظيمة.

ولما كان الإمبراطور حريصًا على معرفة أحوال الناس بعيدًا عن التقارير الرسمية، عمد إلى التخفّي، والتجول في الشوارع والأسواق، والاندساس بين العامة، والإصغاء لأحاديثهم، والتحاور معهم.

وفي ليلة من الليالي خلع الإمبراطور ثيابه الملكية وارتدى ثياب عامل فقير، وتسلّل من القصر، ودخل غرفة صغيرة يعيش فيها رجلٌ فقير، يجلس فوق كومة من القش. استقبل الرجل الفقير ضيفه الغريب، واستراح كلّ منهما للآخر، فتبادلا الأحاديث والنصائح. انتعش قلب الرجل الفقير لأنه وجد صديقا حكيما محبّا، وفي نفس الوقت فقيراً مثله يقتات من حشيش الأرض.

قام الرجل الفقير بواجب الضيافة، واحضر ما لديه: خبزٌ جافّ داكن اللون، وكوز ماء، وتناول مع ضيفه عشاءهما المتواضع، وانصرف الضيف.

تركت هذه الزيارة أثرًا عظيما في قلب الرجلين. فكرّر الإمبراطور الزيارة عدة مرات، وكان يأكل الرغيف الأسمر، ويشارك الرجل الفقير بعض أوقاته ثم ينصرف دون أن يفصح عن شخصيته.

وفي إحدى الزيارات، نظر الإمبراطور إلى الرجل الفقير وقال له: "أظنّك تحسب أنّي فقير مثلك؟" لم يجب الرجل. فقال له: "أنا الإمبراطور!" نظر الرجل الفقير إليه نظرة إعجاب ولم يقل شيئا. فقال الإمبراطور: "هل فهمت ما أقول؟" أجاب الرجل: "نعم يا سيدي الإمبراطور فهمت". قال الإمبراطور: "الآن اطلب ما تشاء، أستطيع أن أجعلك من أغنى الأغنياء، أستطيع أن أمنحك مدينة كاملة، أستطيع أن أقيمك حاكما على ولاية، اطلب".

لم يطلب الفقير شيئا، فدُهش الإمبراطور. عندئذ قال الرجل الفقير: "سيدي الإمبراطور، تستطيع أن تمنح هداياك الثمينة لأي إنسان في الإمبراطورية، لكنك – رغم غناك – لا تقدر الآن أن تمنحنَي اكثر مما منحتني في الليالي الماضية. لقد منحتني ذاتك، إذ تركتَ عرشك وقصرك ومجدك لتجلس معي في حجرتي المظلمة، كما تركت طعامك الملكي وأكلت من رغيفي اليابس. فماذا يمكنك أن تمنحني أكثر من ذلك. طلبي الوحيد هو أن لا تسحب مني صداقتك".

القصة الروحية للاباء الساليزيان عن موقع جمعية التعليم المسيحي في حلب                www.talimmasihi.com



July  2012

تموز 2012

الـعـــدد (101)

الموضوع : الفرق اليهودية ايام السيد المسيح .

 

يقول المؤرخ اليهودي يوسيفوس الذي عاش في القرن الاول الميلادي انه كان هناك ثلاث فرق ” فلسفية يهودية” في فلسطين تنتمي الى ثلاث مدارس هي : الصدوقيون والفريسيون والاسينييون ويذكر فرقة رابعة عرفت بالغيوريين . غير انه يقول إنه لم يكن كل اليهود اعضاء في جماعة اواخرى من هذه الجماعات

الصدوقيون : كان الصدوقيون جماعة صغيرة إلا انها كانت تتمتع بنفوذ كبير . وكانت الجماعة تتشكل اساساً من كبار الكهنة ومن الطبقات الغنية . وكانوا محافظين متشددين يمقتون التغيير وبخاصة التغيرات التي تؤثر في وضعهم البارز .يعتقد البعض ان الاسم صدوقي جاء نسبة الى ” صادوق ” الذي ورد اسمه في العهد القديم . واعتقد آخرون ان الاسم مأخوذ من كلمة عبرية معناها البر والاستقامة الاخلاقية او من كلمة يونانية تعني أعضاء المجلس . وكان مجلس السبعين اليهودي ” السنهدريم ” يضم عدداً كبيراً من الصدوقين. قال الصدوقيون إن الناموس الذي اعطى بيد موسى والذي جاء في الاسفار الخمسة الاولى من العهد القديم هو أساس التعليم الديني . وهذا يعني انهم لم يشاركوا اليهود الآخرين بعض معتقداتهم اليهودية والتي ليست واضحة تماماً في التوراة . فالصدوقيون لا يؤمنون بحياة مستقبلية او بالدينونة الاخيرة او بالقيامة .

الفريسيون: كان الفريسيون الطائفة التي نشأت في القرن الثاني ق.م. الاكبر عدداً بين اليهود ايام السيد المسيح وكان كثيرون منهم يحترفون دراسة العهد القديم . وكان لكل مجموعة منهم رؤساؤها وقوانينها .أخذ الصدوقيون على الفريسيين انهم كوَموا كمية كبيرة من الاحكام والقواعد لكي يشرحوا من خلالها ناموس العهد القديم . واتهمهم الصدوقيون بأنهم كانوا يؤمنون ويعملون اشياء لا تتفق مع الفهم الحرفي للناموس . على ان الفريسيين أكدوا من جهتهم ان العهد القديم هو الدستور الاعلى لحياتهم وايمانهم إلا انهم ادركوا انه لا يلائم تماماً المجتمع الذي يعيشون فيه حالياً. ولكي تقوم علاقة نافعة فلا بد من تفسيره بطرق جديدة ، خصوصاً وان الناموس يتدخل في حياة الناس اليومية ويقيدها . ورغم هذه النظرة شبه المنفتحة فان الفريسيين بالغوا بالتشدد في احوال كثيرة . فمثلاً سمحوا لليهودي ان يتنزه يوم السبت على ان لا تزيد المسافة عن ثلثي ميل ، كما حرّموا اشعال النار يوم السبت . وكذلك لم يسمحوا للخياط مثلا بالخروج حاملا ابرته في وقت متاخر قبل حلول السبت لئلا تظل في جيبه عند حلول السبت لم يجد الفريسيون صعوبة في الايمان بالحياة الاخرى بعد الموت . وربما توقعوا ايضا مجىء ” المسيا ” ليصحح اخطاء الشعب . ورغم انهم لم يشتركوا مطلقاً في اي ثورة ضد الرومان الا انه من المحتمل انهم كانوا يعجبون بمن يقومون بها . اما اسمهم فكان يعني ” المفرز ” . وكان معظمهم من اليهود العاديين وربما وصل عددهم ايام المسيح الى ستة الاف . وكان المسيح قد تجادل كثيراً مع الفريسيين ودان فيهم برّهم الذاتي وناموسيتهم بينما اظهر محبته لاولائك الذين احتقرهم الفريسيون . وكان بولس الرسول فريسياً قبل اهتدائه وكذلك كان نيقوديموس الذي صار تلميذاً للمسيح في السر .


الاسينيون : يعتقد المؤرخون المهتمون بالتاريخ الديني ان احدى الفرق الاسينية هي التي كتبت لفائف البحر الميت . وكان مقر هذه الجماعة في قمران قرب البحر الميت بفلسطين . وكانت هذه الجماعة قد انسحبت من الحياة العادية وعاشت حياة شراكة في الصحراء في محاولة للحفاظ على النقاء الديني والاخلاقي ، هذا النقاء الذي اعتقدوا انهم قد يجدوه في العهد القديم وفي حياة التقشف . ويقول المؤرخ اليهودي يوسيفوس انهم لم يتمركزوا في مدينة واحدة بل استقروا باعداد كبيرة في مدن عديدة . ويظن ان فريقاً منهم عاش في البرية قرب دمشق وان هذا الفريق كان يختلف في معتقداته بشكل قليل عن جماعة قمران . نعرف اليوم من مخطوطات البحر الميت ان الاسنيين كانوا اقلية يهودية وانهم امناء لعهد الله وانهم اعتبروا الشعب اليهودي بأكثريته ، بل وحتى الهيكل والكهنة في اورشليم القدس ، غير امناء . واكدت الجماعة ان قائدها ” معلم البر ” واتباعه الامناء هم وحدهم الذين عرفوا اسرار العهد القديم .آمن الاسينيون ان كارثة في التاريخ ستحل وعندها سيؤكد الله سيادته على العالم بعد ان يقهر الهراطقة والغرباء الغازين ( اي الرومان ) . وستصبح عند ذاك شيعة من اليهود ، وليس كل اليهود ، شعب الله المختار وستتولى هذه الشيعة الامور وتصحح اوضاع عبادة الله في الهيكل. وتوقع الاسينيون ظهور ثلاثة قادة : النبي الآتي الذي تحدث عنه موسى ، والمسيا الملك الذي سيكون من نسل داود ، والمسيا الكاهن الذي ستكون له الأولوية الكبرى . واعتقد الاسينيون كالفريسيين ان الله لديه خطة معدة لا يمكن ان تتغير نتيجة لاي تدخل بشري . وما على الانسان ، في نظرهم ، الا ان يكون في المكان الصحيح وفي حالة ذهنية سليمة حين يصل المخلص الموعود . الى جانب هذه الفرق الثلاث كان هنال الرؤويون والغيوريون . وهما حركتان هامشيتان . فالغيوريون كانوا حركة فدائية منهمكة في مقاومة الرومان اكثر من كونهم حركة دينية . وكانوا في الواقع يشاركون الفريسيين في الكثير من معتقداتهم ، الا انهم كانوا لا يقبلون سيداً سوى الله . ويقول المؤرخ يوسيفوس ان مؤسس شيعتهم كان يهوذا ، وهو رجل جليلي قاد ثورة عام 6 م . ويعتقد ان احد تلامذة المسيح ويدعى سمعان كان من الغيوريين ، كما ساد اعتقاد بان يهوذا الاسخريوطي كان واحداً منهم .اما الرؤويون فكانوا جماعة صغيرة ، ضيقة الافق ، لا يعرف عنهم الا القليل . وكل ما عرف عنهم جاء من خلال كتاباتهم التي ادعوا فيها انهم تسلموا اعلانات جديدة من الله . وقد شدد هؤلاء على الحياة السماوية وليس على الحياة الدنيوية اليومية . وقال احد الكتاب الرؤويين ان ” العلي ” لم يخلق عالماً واحداً بل اثنين . وتشدد كتاباتهم على الاحلام والرؤى والاتصال بواسطة الملائكة . وهذه الواسطة والوساطة ضرورية بنظرهم لان الله بعيد في عالمه الخاص ولا يمكن للبشر الوصول اليه الا بالواسطة والوسطاء.ولما كانت كلمة رؤيا تعني حرفياً اناس يكشفون عن اشياء سوية ، فان كتاباتهم اتسمت بالغموض ذلك ان الرؤى لا توصف بعبارات صريحة بل باستخدام لغة رمزية . لذلك نجد عندهم اشارات عديدة الى كتب الانبياء في العهد القديم والى الوحوش الاسطورية ، كما استخدموا الاعداد الرمزية في اشارتهم الى امم او اشخاص . وكانت الكتابات الرؤوية تصدر باسم شخصية معروفة عاشت في الماضي مثل نوح وآدم واختوم وموسى وعزرا الخ.

 

الروزنامة الشهرية

الثلاثاء

    3    تموز  2012        

عيد القديس توما الرسول شفيع البطريركية الكلدانية – ختام شهر قلب يسوع الأقدس

الأحد

    15  تموز  2012

أحد نوسرديل- تذكار الإثني عشر رسولاً و تذكار الشهيدين قرياقوس و امه يوليطي

الجمعة

    20  تموز  2012

تذكار مار يعقوب اسقف نصيبين 0

الخميس     

    26  تموز  2012

تذكار القديسة حنة والدة العذراء مريم  .

الجمعة

    27  تموز  2012

تذكار مار ماري رسول كنيسة المشرق .

 

قصة روحية: هدية تخرّج.

كان أحد الشباب يستعد للتخرج من كليته . ولشهور عديدة كان معجبا بسيارة سبور فى معرض وكيل للسيارات ، ولعلمه أن والده لديه الإمكانيات ويمكنه تقديمها له ، أخبر والده عنها وقال أنها كل مايريد .

وعندما أقترب يوم التخرج انتظر الشاب دلائل على قيام والده بشراء السيارة . وأخيرا ، فى صباح يوم التخرج ذاته ، استدعاه والده لحجرته الخاصة ، وأخبره كم هو فخور بأنه له مثل هذا الابن الرائع ، وأخبره كم هو يحبه . ثم قدم له صندوق هدايا ملفوفا فى غلاف جميل .

فى فضول ، وفى إحساس ببعض من خيبة الأمل ، فتح الشاب صندوق الهدية ليجد كتابا مقدسا ذو غلاف جلدى فاخر ، منقوشا عليه اسم الشاب بالذهب . فى غضب رفع الشاب صوته مخاطبا والده وقال " مع كل غناك الطائل ، فهل كل ما تعطينى هو كتاب مقدس ؟" . وخرج كالعاصفة من المنزل .

سنوات عديدة مرت ونجح الشاب نجاحا باهرا فى عمله . وصار له منزلا جميلا وعائلة رائعة ، ومع إدراكه أن والده تقدم فى العمر، وربما فكر أنه ينبغى عليه أن يزوره . لكنه لم يراه أبدا من يوم تخرجه .

وقبل أن يدبر لقاء مع والده ، تسلم برقية تخبره أن والده قد توفى ، وأنه قد أوصى له بكل ممتلكاته . وإن الأمر يستدعى ذهابه لمنزل والده ليهتم بالأمور .

وعندما وصل منزل والده ، ملء حزن مفاجئ وندم قلبه . وبدأ يبحث فى أوراق والده الهامة ووجد الكتاب المقدس الذى كان قد أهداه له والده ملفوفا كما هو ، كما كان قد تركه منذ سنوات مضت . وقد وضع والده بعناية خطا تحت الآية المذكورة فى متى 7 : 11 " فان كنتم و انتم اشرار تعرفون ان تعطوا اولادكم عطايا جيدة فكم بالحري ابوكم الذي في السماوات يهب خيرات للذين يسالونه "

وحينما رفع الكتاب المقدس ليقرأ بعضاً من آياته، إذا بمفتاح سيارة يسقط من الكتاب، وبه لافتة بها اسم المعرض الذى بيعت منه السيارة ، نفس المعرض الذى كانت به السيارة الإسبور التى كان يرغبها . وعلى اللافتة مكتوب أيضا تاريخ تخرجه ، ومكتوب أيضا " الثمن مدفوع ".

التسرّع.. الشكّ في حكمة الأب وعطاياه.. العناد.. كلها أفكار جعلت هذا الشاب يبكي بكاءً مرّاً ..

ندمه الشديد لم يفلح بإعادة والده إلى الحياة وإعادة اللحظات الحلوة التي كان من الممكن لهذا الشاب أن يحياها بالقرب من والده..


June  2012

حزيران 2012

الـعـــدد (100)

الموضوع : الهوية الكلدانية في الوثائق التاريخية : بحث المطران د. سرهد يوسپ جـمّو

 

مقدمة :  عند قدوم رسل المسيح الى بلاد النهرين وفارس، كانت هذه البقاع تحت سيطرة الدولة الفرثية، التي عقبتها في الحكم السلالة الساسانية، وذلك من القرن الثالث الميلادي حتى عهد الفتوحات العربية. وكانت الدولة الفرثية ثم الساسانية تقسم المناطق التي تحكمها الى ممالك صغيرة، او الى اقاليم ادارية تسّميها مرزبانات. عهد ذاك كانت الزرادشتية هي الديانة الرسمية في تخوم الامبراطورية الفارسية، وكانت الآرامية، بلهجاتها المحلية، هي اللغة السائدة بين سكان بلاد النهرين وحواليها. ولأن هذه عناصر الهوية، ومنها اللغة والدين والانتماء الى دولة، كانت مشتركة بين اهل البلاد الرافدينية عموماً، اتخذ الانتساب الى اقليم او مدينة معينة معنى التمييز الشخصي والانتماء الخاص. فكان المرء فلاناً من حدياب، او من ميشان، او من قطر او من نينوى. وعلى هذا المنوال يرد ذكر الاقوام في كتاب اعمال الرسل "من فرثيين وميديين وعيلاميين وسكان ما بين النهرين... ورومانيين... وكريتيين وعرب" (اعمال 2، 9-11) فعلى الرغم من ان الجماعة الحاضرة في علية اورشليم يوم العنصرة كانت جميعها من الحجاج اليهود، الاّ أن هويتهم المدنية حددها الكتاب بالنسبة الى الاقاليم التي يسكنونها.

من الثابت في الوثائق التاريخية ان النواة الاولى للمهتدين الى المسيحية في بلاد النهرين وفارس تشكلت من الجماعة اليهودية العريقة في هذه البقاع، ثم تبع هؤلاء المؤمنين الاوائل جموع من مختلف المناطق والخلفيات. وفي كل الاحوال لم يضف الاهتداء الى المسيحية عنصراً مدنياً جديداً على عناصر الهوية المشتركة مع بقية سكان البلاد. انما تميزت جماعة المؤمنين عن بقية اهل البلاد بالانتماء الى البنية الكنسية التي شكلها الدين الجديد والارتباطات الاجتماعية والثقافية التي تبعتها. اي ان معتنقي المسيحية من اهل البلاد مكثوا على هويتهم المدنية التي تسلسلت اليهم من آبائهم سكان بلاد النهرين القدامى. وهوذا وصف لمشهد المؤمنين، يحصدهم سيف الاضطهاد الشابوري (340-379) على مسمع ومرأى من جمهور الشعب القائم حولهم، كما جاء في ترنيمة طقسية معاصرة للاحداث:

" ان ملك العُلى مع جنده، كان في عون جمع المؤمنين. فقد صدر الامر : ان يقتل الشهداء الابرار بحد السيف. بُهت الكلدان وهم وقوف، ورفعوا الاصبع، قائلين : عظيمٌ إله المؤمنين، فهو يخلصهم وإن هو لا يُرى " (من ترانيم الشهداء المخصصة لرمش الجمعة). فانظر كيف ان المؤلف يسمّي الشعب القائم يومذاك كلداناً يرفعون اصبعهم علامة التشَهُّد ببطولة الشهداء.

وعندما توجّه الاسلام نحو بلاد النهرين وفارس، إكتسح معاقل الدولة الساسانية وتغلغل تدريجياً في ربوع البلاد شمالاً وجنوباً، حتى تأسست الدولة العباسية وتمركزت في بغداد، العاصمة الجديدة، واصبحت الثقافة العربية الاسلامية هي الثقافة الرسمية للبلاد، واضحى ما سواها ثقافات هامشية محصورة في محيطها، ومنها الثقافة الأرامية، فرضت عليها الاحوال الجديدة ان تنحسر تدريجياً الى الديورة والكنائس والربوع الخالية. اما المسيحيون، فقد جعلهم الاسلام " اهل ذِمَّة " " يدفعون الجزية وهم صاغرون ". وكان تنظيمهم بحسب تقسيامتهم الدينية وما يتبعها من تفرعات طائفية، وهكذا اضحت تسمية النساطرة واليعاقبة هي التسمية الشائعة والمعبرة عن هويّة المسيحيين في دوائر الدولة العباسية، وفي ادبيات ذلك العصر، يخضعون في امور دينهم لرؤساء كنائسهم وقوانينها، وفي امور دنياهم لنظام احوال مدنية، أملته الدولة عليهم في إطار ممارسات تتراوح بين المضايقة والتسامح.

إن المفهوم القومي بالمعنى المعاصر، أي الشعور بالإنتماء إلى مجموعة معينّة يشدّها الترابط الثقافي والوجداني والجغرافي والتتابع التاريخي، قضية توضّحت تدريجياً ابتداءً من العصور الوسطى، متزامنة مع التغلغل المغولي الذي اقتحم حواجز الدولة العباسية والتنظيمات الإدارية التي انبثقت منها، حتى تبلورت الهويّة القومية بمعالم واضحة في العصور الاخيرة. وسنرى كيف ان الأسم الكلداني كان المحور والمرجع الأثبت والأرجح الذي تبلور حوله الوعي القومي عند مسيحيي بلاد الرافدين في مختلف اطوارهم. فإلى الوثائق:

شهادات السّواح الغربيين

إن شهادات السّواح مهمة جداً، وهي أهم من طروحات وفذلكات بعض المستشرقين الذين يقتنون معلوماتهم من كتب ومصادر في مقرات عملهم بدون الإحتكاك الشخصي باهل الشرق وواقعهم واحوالهم. أما السوّاح فلأنهم يكتبون ما يرون ويسمعون، لذلك هم مصدر أكثر أمانةً ومطابقة للواقع الشرقي في حقيقته. فهوذا بعضاً من شهاداتهم:

Ø ماركو بولو الذي قام برحلة مع والده وعمّه من 1271-1291، سجّل لاحقاً مذكراته في كتابه Il Millione، (طُبع برعاية روجيرو روجيري في فلورنس، 1986)، ونحن نورد منها المقطع التالي في ترجمة مباشرة عن الإيطالية : " الموصل موقع كبير، فيها من القوم مَن يُدعون عرباً... وفيها قوم آخرون يتخذون الشريعة المسيحية ولكن ليس بحسب ما تأمره الكنيسة الرومانية... إنهم يدعون نساطرة ويعاقبة، وإن لهم بطريركاً يدعى جاثاليقاً. وهذا البطريرك يصنع اساقفة ورؤساء اساقفة ورؤساء ديورة، حتى في بلاد الهند، وفي بغداد وفي بلاد الصين... وفي جبال هذه المملكة هناك ايضاً قوم من المسيحيين يدعون نساطرة ويعاقبة... " (ص 122).

Ø ريكولدو دي مونتي كروجيي (في مذكراته Peregrinationis Liber نُترجم مقطعاً منها مباشرة عن الاصل اللاتيني الذي كتبه المؤلف سنة 1292 وقد طُبع مؤخراً مع ترجمة فرنسية) : "عن النساطرة ... ان النساطرة هم الهراطقة الذين يتبعون نسطوريوس وتيودوروس...مع ذلك فإن هؤلاء النساطرة الشرقيين هم جميعاً كلدان وبالكلدانية يقرأون ويصلون ". (صفحات 136-138).
"عن قوم الاكراد..انهم مسلمون يتبعون القرآن...اظهروا انفسهم انسانيين كثيراً معنا...لقد كانوا من قبلُ كلداناً ثم اصبحوا مسيحيين وفي مرحلة ثالثة مسلمين، لان الشريعة الإسلامية هي اكثر تساهلاً ". (ص 118-120).

Ø جوفاني الراهب الدومنيكي الايطالي _ رئيس اساقفة السلطانية
(في مذكراته
Libellus de Notizia Orbis المسجلة باللاتينيةا في سنة 1404، طبعة انطون كيرن الآلمانية ، 1938) : " إلى الجنوب الشرقي من فارس، هناك بلاد كلدو وهي نقطة في أقصى الشمال من مملكة الكلدان- التي تبدأ من مدينة تسمى مراغا، وهي تمتد جنوباً حتى بحر المحيط، ومدينتهم الرئيسية بغداد، التي هي في الكتاب المقدس بابلونيا وإن ليست في نفس الموقع إذ إن هذه على الفرات. في هذه المملكة سهول كثيرة وجبال قليلة ومياه شحيحة تجري في المنطقة. هناك شعب كثير من العرب والكلدان والسريان والنساطرة والارمن والكاثوليك. وقد بعثت أنا إلى هؤلاء الكاثوليك راهباُ واحداً مما أزاد عدد هؤلاء الكاثوليك! " (ص 117-119).

فانظر كيف أن هؤلاء السوّاح، الذين يسبقون البابا اوجين الرابع بأجيال، ويسبقون بمثلها إتحاد المشارقة بروما، يتحدثون بإطلاع ووضوح عن الكلدان وعن بلاد كلدو وعن اللغة الكلدانية، ويميزون تماماً بين القومية والدين، وبين المذهب النسطوري واليعقوبي والكاثوليكي. وأنظر كيف أن التسمية الآثورية او الآشورية غائبة تماماً عن ساحة الواقع التاريخي الذي يشهدون عليه.

Ø بين المطران طيماثوس الكلداني والبابا أوجين الرابع
إنه ليعتريني العجب والأسف أن ألاحظ مجموعة من إخوتنا الكتّاب المثقفين يرددون معزوفة مفادها ان البابا أوجين الرابع (1441-1447) هو الذي " أنعم " على النساطرة الذين اتحدوا بروما بلقب الكلدان، الامر الذي تبعه لاحقاً لقب بطريرك الكلدان، بدون أن يكّلف احدُ من هؤلاء الكتاّب نفسه بالإستفسار عن النص الأصلي ومعناه وفحواه. ومع أن النص المقصود يرتقي إلى سنه 1445، وهو متوفر في المصادر المعروفة لدى الباحثين، إلاّ انني اقّر بعجزي عن اكتشاف اي ايرادٍ او استعراضٍ لهذا النص اللاتيني، او لترجمةٍ له، في ايٍ من الكتب والمقالات التي تردد كالببغاء مقولة تقلبه رأساً على عقب. وقد يؤول ذلك إلى كونه بلغة لاتينية متينة ليس من السهل ترجمتها، ولذا فقد التزمت بترجمته ضمن مقالة كنت قد نشرتها في مجلة " بين النهرين " سنة 1996 (العدد 95/96 ص 181-203 بعنوان " كنيسة المشرق بين شطريها ").

فإلى الوثيقة الفاتيكانية:

عندما أبرم المطران طيمثاوس، أسقف نساطرة قبرص، وثيقة الإتحاد مع روما سنة 1445 م ومعه مطران الموارنة فيها، كان عليه أن يستبدل لقبه النسطوري المرتبط بالمذهب الذي هجره، بلقب آخر تتبين منه هويته. فوقّع وثيقة الإتحاد هكذا : " أنا طيمثاوس رئيس اساقفة ترشيش على الكلدان ومطران الذين هم في قبرص منهم، اصالة عن ذاتي وبإسم كافة الجموع الموجودة في قبرص، أعلن وأقر وأعِد أمام اللـه الخالد الآب والإبن والروح القدس وأمامك أيها الأب الأقدس والطوباوي البابا أوجين الرابع وأمام هذا المجمع (اللاتراني) المقدس، بأنني سأبقى دوماً تحت طاعتك وطاعة خلفائك وطاعة الكنيسة الرومانية المقدسة على أنها الأم والرأس لكافة الكنائس (عند شموئيل جميل، كتاب العلاقات، روما 1902، ص 10).

ويعلّق المرسوم البابوي الذي أصدره أوجين الرابع في 7 آب 1445 م على ذلك بقوله : " وطيمثاوس ذاته، أمامنا في المجمع اللاتراني المسكوني وفي جلسته العامة، أعلن بإحترام وتقوى صيغة إيمانه وتعليمه أولاً بلغته الكلدانية، ثم ترجمت إلى اليونانية ومنها إلى اللاتينية ". وبناء على هذا الإعلان الوحدوي، فإن أوجين الرابع يمنع في مرسومه الآنف ذكره أن يسمّى أحد الكلدان فيما بعد نساطرة، كما يمنع في الموضوع عينه أن يسمّى الموارنة هراطقة، ومن ثمة يساوي الكلدان والموارنة بالحقوق والإمتيازات الدينية مع كافة الكاثوليك. (عند شموئيل جميل، ص 11).

واضح من النص وضوح الشمس أن البابا أوجين الرابع إنما يستشهد بما عرضه المطران طيماثوس ذاته، بقلمه ولغته، ويردد نصاً من تأليف هذا المطران كتبه وقرأه بلغته الكلدانية ومنها ترجم أولاً إلى اليونانية ثم إلى اللاتينية. وعسى أصحاب المعزوفة يدّعون استطراداً أن أوجين الرابع " أنعم " كذلك باللغة " الكلدانية " على المطران طيماثوس وشعبه ما دام الحديث عنها قد ورد في وثيقته، فتكتمل بهذا الإنعام الإضافي صورة الدقّة العلمية التي يتمتع بها هؤلاء الكتاّب.

وإذا شئنا أن نفهم معنى الإنعام الوارد ذكره في النصوص المتعلقة بهذا الموضوع، فإنما المقصود به الإعفاء من ضرائب الإقامة التي كانت مفروضة على الأجانب والهراطقة الوافدين إلى قبرص، ولا دخل له إطلاقاً بإسباغ هويـّة قومية جديدة لشعب ما- وقد شمل هذا الإعفاء من الضرائب الكلدان والموارنة لأنهم تساووا مع بقية السكان، إذ اتحدوا مع الكنيسة الكاثوليكية، في الحقوق والإمتيازات المدنية.

هوية ابناء كنيسة المشرقعند تثبيت شمعون سولاقا بطريركًا كاثوليكيًا على كنيسة المشرق (وشمعون هو الإسم الذي اتخذه سولاقا عند رسامته الأسقفية)، جاء لقبه في الوثائق الرومانية هكذا: "بطريرك كنيسة الموصل في آثـور" باعتبار ان الموصل كانت المدينة التي توجّهت منها إلى الحبر الاعظم رسالة المجموعة التي انتخبته بطريركًا، جديداً، ولا شك ان هذا اللقب لا ينطوي بوضوح على أيّ طابع شامل للكنيسة المعنية كما أنه لا يشير بجلاء إلى هويّة الشعب الذي ينتمي إليها، إنما يعكس الطابع المحلي الذي انطلقت منه الرسالة المذكورة، وهذا دليل آخر على ان روما كانت تطلق في مراسيمها نفس التسميات التي كانت تعرض عليها من اصحابها. غير ان الأمور سوف تتطور سريعًا بإتجاه أكثر دقّـة وتحديدًا ما إن تحتك روما إحتكاكًا مباشرًا وشاملاً بأبناء كنيسة المشرق.

إن روما، لكي تضمن تتابع مسيرة الإتحاد مع أبناء كنيسة المشرق، بعثت مع شمعون سولاقا إثنين من مرسليها لتوطيد أُسس التعليم الكاثوليكي في نفوس رعيته، هما امبروزيوس الذي عُيّن سفيرًا بابويًا في بلاد المشرق والأب زهارا الراهب، وعند عودتهما بعد ثلاث سنوات قدّمت الدائرة الرومانية المختصة تقريرًا عن نشاطهما إلى الحبر الأعظم نقدّم ترجمة حرفية عن الأصل اللاتيني لمقطع منه:

"في بلاد ما بين النهرين، آثور وكلدو، حيث مكث (المرسَلان) فترة ثلاث سنوات، واعظين بكلمة اللـه، بيقظة وأتعاب جمّة، تلك الشعوب التي كانت تعتنق خطا نسطوريوس الذي نسبةً إليه دعوا نساطرة، معلّمين ومهذّبين إياهم في نزاهة التعليم الكاثوليكي .. حتى إنهم أضحوا يستنكرون إسم نسطوريوس، ويرغبون في أن يُدعوا كلداناً (عند فوستي، حوليات رهبنة الوعاظ الدومنيكان، المجلد 32 (1925)، 4، ص 1-30). يتّضح إذاً، من جديد في هذا النص كيف أن أبناء كنيسة المشرق هم الذين رغبوا في أن يُدعوا كلدانًا، وليست روما هي التي "انعمت" عليهم بهذا الاسم.

ومع ذلك سينجلي لنا من الوثائق المعاصرة لتلك الحقبة أن أبناء كنيسة المشرق من سكان ما بين النهرين وتخومها، عند إنبثاق وعيهم بهويّتهم الحضارية المتميزة، تأرجحوا بين تسميتين كلتاهما تعبّر، كل من ناحية معينة، عن إنتسابهم التاريخي والقومي أو الجغرافي، وهما تسمية الكلدان والآثوريين، وسوف نرى كيف أن هذا الواقع سوف ينعكس لفترة قرن كامل في الوثائق المزامِنة.

بعد أن استشهد شمعون سولاقا على يد عملاء باشا العمادية سنة 1555، إنتخبت المجموعة الكاثوليكية من رعايا كنيسة المشرق مار عبد يشوع مارون (1555-1567) خليفة له. وندرج هنا مطلع الصيغة الإيمانية التي أبرزها البطريرك الجديد في روما في 7 آذار 1562: "أنا عبد يشوع ابن يوحنا من عائلة مارون من مدينة الجزيرة على نهر دجلة ... المنتخَب بطريركًا على مدينة الموصل في آثور الشرقية" (عند جميل، ص 63)، وهنا لا زال عبد يشوع يعكس الطابع المحلي التي تميزت به الحركة الكاثوليكية في بدايتها، غير أن التقرير الذي عرضه الكردينال اموليوس لهيئة الكرادلة في المجمع التريدنتيني في 19 آب سنة 1562 يجتاز هذا الطابع المحلي في لقب البطريرك إلى طابع أكثر شمولاً، إذ يقدّم لهم البطريرك الجديد على النحو التالي: (السيد المحترم عبد يشوع بطريرك الآثوريين المنتخَب من قبل الإكليروس وبموافقة شعبهم" (جميل ص 66).

وفي رسالة رومانية مؤرخة في 1565 يمتزج الإسـمان الكلداني والآثوري في مقطع واحد. فإن البابا ﭙيوس الرابع بعث برسالة إلى رئيس أساقفة كوان في الهند، يوصي بها بالمطران اوراهام الذي أرسله البطريرك عبد يشوع إلى ملبار، يقول: "إلى هذه الأعتاب الرسولية كان قد قدم من الهند هذا الأخ الحبيب اوراهام الكلداني امةً، (مرسـلا) من قبل أخينا عبد يشوع بطريرك الآثوريين" (جميل ص 71).

أمابعد وفاة عبد يشوع فقد خلفه لفترة قصيرة مار يابالاها الذي جلس في سعرد (1578-1580)، ثم شمعون دنحا (1581-1600)، وقد بعث معاونه المطران إيليا هرمز حبيب اسمر إلى روما بتقرير بإسم البطريرك، لا زالت نسـخته محفوظـة في أرشيف الفاتيكان (AA، الخزانة 1-18، رقم 1796، ورقة 1-4) (عند بلترامي، ص 199) هذا مطلعه: "(أنا) مار إيليا رئيس أساقفة آمد في بلاد ما بين النهرين، كلداني من آثور ... أعرض بـتواضع كيف ان مار شمعون سولاقا بطريرك أمّته، بعد عودته من روما، توقف في آمد فترة خمسة أشهر فقط ورسم فيها خمسة أساقفة ورؤساء أساقفة .." وإلخ، وفي ختام التقرير يتوسل مار إيليا أن يعمم قداسة البابا على العالم المسيحي القرار الذي كان أصدره سابقًا، والذي مرّ الحديث عنه، حيث يمنع قداسته أن يطلق أحد على الكلدان المتحدين بروما اسم النساطرة، بل أن يطلق عليهم اسمهم الحقيقي وهو "الكلدان الشرقيون في آثور".

ومن بين الوثائق المهمة التي تخص موضوعنا التقرير الذي رفعة الى الحبر الأعظم غريغوريوس الثالث عشر مطران صيدا اللاتيني واسمه ليوناردو هابيل، وقد أرسله البابا في مَهَمّة لتقصّي الحقائق في بلاد الشرق وذلك بين 1583-1585 فجاء تقريره غنيًا بالمعلومات عن أوضاع المسيحيين في الشرق الأوسط. وإذ يصل في مقاله إلى الحديث عن كنيسة المشرق يقول (ونحن نترجم هنا عن النص الايطالي): " كذلك زرت مار شمعون دنحا بطريرك الأمة الكلدانية في آثور ..." ثم يتابع التقرير شارحًا: "إن أولئك الذين من الأمة النسطورية يسكنون مدينة آمد وسعرد والبقاع والمدن القريبة، إذ تمرّدوا على بطريركهم، الذي ، حتى ذلك الحين، كان يسكن في دير الربّان هرمـزد قرب مدينة آثور- وهي تسمى اليوم بالموصل- في بلاد بابل، قدّموا الطاعة إلى الكنيسة الرومانية المقدسة على عهد حبرية البابا يوليـوس الثالث عشر الطيب الذكر واستعادوا اسمهم إذ اطلقوا على ذاتهم اسم كلدان آثور الشرقية" (عند جميل، ص 115-116).

لقد اعتقدت روما، بناء على ما عرض عليها في حينه، أن رئيس الدير سولاقا إنما انُتخب لكي يخلف البطريرك شمعون برماما، على أساس ان هذا الأخير قد توفي. ونتيجة لذلك فقد ظنت روما انها أبرمت الإتحاد القانوني مع كنيسة المشرق قاطبة. وإذ ثبت لدى روما لاحقًا ان شمعون برماما كان يومئـذ لا يزال حيًا يرزق فقد وجدت نفسها مام واقع جديد وهو انقسام كنيسة المشرق إلى مجموعتين: "المجموعة النسطورية" التي تترأسها عائلة "أبـونا" البطريركية ومقرها دير الربان هرمزد، والمجوعة الكاثوليكية برئاسة خلفاء سولاقا وقد تحوّل مقرهم من ديار بكر الى سلاماس في إيران ثم إلى قوجانـس في تركيا. وقد حدث في مطلع القرن السابع عشر ان البطريرك النسطوري (وهو عهدئذ مار إيليا الثامن من عائلة أبونا) كان يحاول الإتصال بروما مستطلعا امكانية الوصول معها إلى الإتحاد القانوني. ولذا فقد بعث مار إيليا البطريرك بيد وكيله الاركذياقون آدم تقريراً موجها إلى البابا بولص الخامس ومؤرخا في آذار 1610 (نسخته الاصلية في ارشيف الفاتيكان، مجموعة بورجا، السلسلة 3، المجلد 43، ورقة 109، وما يتبع – عند جميل ص 108-115)، والذي يهمنا هنا من هذا التقرير هو ختامه الذي جاء هكذا: "تمت هذه الرسالة التي كتبت بأمر مار ايليا بطريرك بابل ..." وهذا التقرير، حسب علمي، أقدم وثيقة رسمية يعتمد فيها بطريرك المشرق ذاته لقب "بطريرك بابل"، الأمر الذي يشكّل بلا ريبة مرحلة متطورة من الوعي الذاتي والعودة إلى الأصول التاريخية، كما جاءت عند عبد يشوع الصوباوي في تآليفـه عن مجموعة القوانين السنهادوسية، الميمر التاسع؛ وتجدر الاشارة هنا الى ان هذا اللقب إستخدمه اولاً بطريرك المشرق النسطوري ذاته قبل أن يستخدمه البطريرك الكاثوليكي، وقد ورد اولاً في وثيقة بطريركية قبل أن يرد في وثيقة رومانية.

نستخلص من الوثائق التاريخية الوقائع التالية:

1. ان الإسم الكلداني هو اسم الشعب القائم حول الشهداء الذين سقطوا بسيف الإضطهاد الشابوري إبان القرن الرابع.

2. إن الهويّة المدنية والثقافية للمسيحيين في بلاد النهرين لم يُسمح لها بالتعبير عن ذاتها في ظل حكم الدولة العباسية، إذ أصبحت الهويّة العربية هي المهيمنة فأضحت التسمية الطائفية ’النسطورية واليعقوبية’ هي التي تشير إلى كيانهم ومجمل واقعهم.

3. إن سقوط الدولة العباسية، وبزوغ عهد الحكم المغولي ثم العثماني، فسح المجال لتنامي الحس القومي عند المسيحيين. وقد تجسّد هذا الشعور في التسمية الكلدانية كتعبير عن الهويّة القومية بما تعنيه من محتوى ثقافي وتتابع تاريخي.

4. إن التسمية الآثورية وردت كذلك لمامًا في غضون القرن السادس عشر إلى جانب التسمية الكلدانية، ولكنها إذ وردت على لسان أصحابها وردت دومًا بمعنى الإشارة الى المنطقة الجغرافية التي انحسرت إليها المسيحية في بلاد النهرين عهدئذٍ.

5. إن لقب "بطريرك بابل"، الذي برز منذ القرن الرابع عشر إثر سقوط بغداد وتضعضع أهميتها، عنصر مكمّل لعناصر الهويّة التاريخية والثقافية لمسيحيي بلاد النهرين؛ فقد إندثرت المدائن التي بُنيت لتحتل مكانة بابل، وتضعضعت يومذاك بغداد التي بُنيت لتخلفها كعاصمة للدولة والبلاد؛ فكانت العودة إلى بابل تعبيراً عن الرغبة في الإنشداد إلى مرجعية تاريخية ثابتة.

الهوية الكلدانية في لقب بطريرك المشرق

اذا كان ما مرّ توضيحاً وثائقياً عن الهوية المدنية للشعب الذي تبقى من ابناء كنيسة المشرق في اعقاب العهد المغولي، تُرى ماذا كانت تاثيرات ماجريات الامور إِبّان تلك الحقبة على الرئاسة الكنسية لذلك الشعب، لأنها اجتازت هي ايضاً مع رعاياها تلك الظروف التاريخية وما تضمنته من مضاعفات. ذلك لان الشعب مربوط برئاسته كما ان الرئاسة مربوطة بشعبها، ولن تكتمل صورة البحث عن الهوية المقصودة اذا لم نتتّبع انعكاسات الاحداث بالقاء نظرة وافية الى الجانبين. واساس القضية في هذا الموضوع ان الشطر الانعزالي من كنيسة المشرق، الذي اخذ يتسمّى بعد العقد الثاني من القرن العشرين بالكنيسة الأثورية وكنيسة الأثوريين، واخيراً في العقود الاخيرة كنيسة المشرق الأثورية، يشيّع قراءة للتاريخ تفيد بان الرئاسة القائمة اليوم انما هي متابعة للسلالة المنحدرة من رسل المشرق الاولين مار توما وما ادي ومار ماري، وان لقب "بطريرك المشرق" و"بطريرك الاثوريين" لقب تلك السلالة الاصيل والمتواتر. وتستطرد هذه الاشاعة بالادعاء بان سلسلة بطاركة الكنيسة الكلدانية القائمة اليوم انما هي متابعة لسلالة يوحنان سولاقا الاتحادية الذي اقتبل الرسامة الاسقفية من البابا يوليوس الثالث سنة 1553، وان لقب "بطريرك الكلدان" انما اطلقة البابوات على البطاركة المتحدين مع روما ابتداءً من القرن السادس عشر، فهو لقب دخيل وهو محصور بهم وكنية عنهم. هذا ما تدعيه الاشاعة. وما أَبعدها عن الواقع التاريخي. فالى الوقائع والوثائق.
يوحنان سولاقا وسلالته البطريركية ومصيرهالقد كانت الفترة التي عقبت ابرام الاتحاد القانوني مع روما حقبة صراع حاد بين فريق الراغبين في متابعة مسيرة الاتحاد وفريق الراغبين في المكوث على العزلة الكنسية. وقد سقط يوحنان سولاقا، ممثل الفريق الاول، في 12 كانون الثاني 1555 شهيداً مبكرا للاتحاد الكنسي، اثر التعذيبات التي تجرعها على يد عملاء باشا العمادية نتيجة لتحريضات شمعون برماما البطريرك النسطوري. غير ان المسيرة نحو روما لم تتوقف.

لقد كانت مناطق ديار بكر وسعرد وماردين، في تلك الفترة التاريخية، مركز الحركة الكاثوليكية، بينما كانت الموصل والقرى المجاورة لها مركز التقليد النسطوري، فبعد ان قتل البطريرك يوحنان سولاقا انتخب عبد يشوع مارون مطران الجزيرة خلفا له. فزار روما (1561 - 1562) ثم قفل راجعاً الى ديار بكر حيث دبر شؤون رعيته حتى توفي سنة 1570. وخلفه على كرسي رئاسة المشرق الكاثوليكي مار يابالاها مطران الجزيرة اولاً كمدبر للكرسي ثم كبطريرك سنة ١٥٧٨ ولكنه توفي بعد قليل في سنة 1580، فانتخب خليفة له مطران جيلو وسعرد وسلاماس واتخذ له اسم شمعون التاسع، غير انه عوض ان يستقر في ديار بكر، مركز القوة الكاثوليكية حوّل كرسيه الى دير مار يوحنا قرب سلاماس في ايران حيث كان يتعرض الى ضغط شديد من قبل الفريق التقليدي، وقد توفي سنة 1600 فخلفه شمعون العاشر وجلس هو ايضا في سلاماس حتى توفي سنة 1638. اما خلفاؤه شمعون الحادي عشر (1638 – 1656) وشمعون الثاني عشر (1656-1662) فقد حوّلوا مقر الرئاسة الى اورمية في ايران ايضا.لقد كان هؤلاء البطاركة خلفاء سولاقا يبعثون الى روما، كل بدوره، صيغ ايمانهم يعلنون فيها عقيدتهم المسيحية بالاصطلاحات الكاثوليكية، ونجد معظمها في ارشيف الفاتيكان، واخرها رسالة البطريرك شمعون الثالث عشر الى البابا كليمنت العاشر سنة 1670، وذلك قبل ان يرتد هذا البطريرك الى الانعزالية الكنسية، وعنوانها: "رسالة مار شمعون بطريرك الكلدان" (عند جميل ص197 – 200). الا انه منذ تحول كرسي الرئاسة الى ايران، مبتعدا عن ديار بكر مركز الحركة الكاثوليكية، فترت تدريجياً حرارة العلاقات بين بطريركية المتحدين الكاثوليك وروما حتى انقطعت الصلة تماما ابان بطريركية شمعون الثالث عشر (1662 – 1700). والجدير بالذكر ان هذا البطريرك نقل كرسيه من خوسروا في ايران الى قوجانس (في جبال تركية)، وقد بقيت هذه البلدة مقرا للرئاسة المنعزلة حتى مطلع القرن العشرين. علما بـأن هؤلاء البطاركة الشمعونيين ارتدوا الى عادة توريث الكرسي، وذلك منذ وفاة البطريرك شمعون التاسع. ومع ان العلاقة انقطعت بين بطاركة هذه السلالة والكرسي الروماني، الاّ ان لقب "بطريرك الكلدان" مكث ثابتاً ومتواصلاً في تواقيعهم واختامهم، كما ثبتت التسمية الكلدانية في مراسلاتهم تعبيراً مميزاً لهوية شعبهم. فهاك اولاً اسماء بطاركة هذه السلالة وتتابعهم حتى عصرنا الحاضر:

سلالة يوحنان سولاقا وتتابعها حتى اليوم

مقره في

 

(1552 - 1555)   ديار بكر

۞ شمعون الثامن (يوحنان سولاقا)

(1555 - 1570)  سعرت

۞ عبد يشوع الرابع مارون

(1572 - 1580)  سعرت

۞ يابالاها الرابع شمعون

(1561 - 1600)  سلاماس

۞ شمعون التاسع دنحا

(1600 - 1638)  سلاماس

۞ شمعون العاشر

(1638 - 1656)  اورمية

۞ شمعون الحادي عشر

(1656 - 1662) اورمية

۞ شمعون الثاني عشر

(1662 - 1700) خوسروا ثم قوجانس

۞ شمعون الثالث عشر دنحا

                                                       قطع الوصال مع روما بعد 1670

(1700 - 1740)  قوجانس

۞ <>شمعون الرابع عشر سليمان

(1740 - 1780) <> قوجانس

۞ شمعون الخامس عشر مقدسي

(1780 - 1820)  قوجانس

۞ شمعون السادس عشر يوحنان

(1820 - 1861) <> قوجانس

۞ شمعون السابع عشر ابراهام

(1861 - 1902)  قوجانس

۞ شمعون الثامن عشر روبيل

(1902 - 1918) <> قوجانس

۞ <>شمعون التاسع عشر بنيامين

(1918 - 1920) <> قوجانس

۞ <>شمعون العشرين بولص

<>(1920 - 1975) <> سان فرنسيسكو

۞ <>شمعون الحادي والعشرين ابشاي

(1976 - )          شيكاغو

۞ <>دنخا الرابع (او الثالث)

 سلالة بطاركة المشرق الاصلية

وخلال هذه الفترة نفسها - واقصد منذ سنة 1553 وهي سنة ابرام الاتحاد وما بعدها حتى سنة1830  - بينما كان البطاركة حملة اسم "مار شمعون" يتابعون خلافة يوحنان سولاقا الكاثوليكي، كانت عائلة "ابونا" تتابع في دير الربان هرمزد سلسلة بطاركة كرسي المشرق الاصلية ومعظمهم يحملون في هذه الفترة اسم "مار ايليا"، ولا زالت انصابهم المنقورة محفوظة في مقبرة البطاركة الى جانب صومعة الربان هرمزد، وعددها تسعة انصاب اولها قبر شمعون الرابع باصيدي (1437 – 1497) واخرها قبر ايليا الثاني عشر (1778 – 1804)، وهي خير شاهد على هوية هؤلاء الجثـالقـة وموقعهم من تاريخ كنيسة المشرق (انظر نصوص الانصاب عند كوركيس عواد، اثر قديم (ص 33-41)، حتى اعترفت روما سنة 1830 بمار يوحنان هرمز، آخر بطاركة العائلة الابوية – ومنه تتابعت متحدة مع الكرسي الروماني سلسلة بطاركة بابل للكلدان حتى يومنا هذا.

 

الروزنامة الشهرية

الثلاثاء

    3    تموز  2012        

عيد القديس توما الرسول شفيع البطريركية الكلدانية – ختام شهر قلب يسوع الأقدس

الأحد

    15  تموز  2012

أحد نوسرديل- تذكار الإثني عشر رسولاً و تذكار الشهيدين قرياقوس و امه يوليطي

الجمعة

    20  تموز  2012

تذكار مار يعقوب اسقف نصيبين 0

الخميس     

    26  تموز  2012

تذكار القديسة حنة والدة العذراء مريم  .

الجمعة

    27  تموز  2012

تذكار مار ماري رسول كنيسة المشرق .

 

 

 

 

قصة روحية: القناعة

في حجرة صغيرة فوق سطح أحد المنازل عاشت الأرملة الفقيرة مع طفلها الصغير، حياة متواضعة، يأكلان الخبز الجاف، ويلبسان ما يستر جسديهما الضعيفين، ويفترشان بعض الخرق القديمة. ومع أن ظروف الحياة كانت صعبة، إلا أنّ هذه الأسرة الصغيرة كانت تتمتع بنعمة الرضا والقناعة.

ولكن أكثر ما كان يزعج الأمّ هو سقوط المطر في فصل الشتاء. فالغرفة تتكون من جدران أربعة وباب خشبي، لكنّها ليست مسقوفة بغطاء يحمي من المطر. وكان قد مرّ على الطفل أربع سنوات منذ ولادته، ولم تتعرّض المدينة إلا لزخّات مطر قليلة وضعيفة. أمّا هذه السنة فكانت تنبئ بمطر غزير.

وحين تجمعت الغيوم في الصباح، أدركت الأمّ أنها ستواجه مع وليدها الصغير ليلة لم يشهدها من قبل. ومع ساعات الليل الأولى، نزل المطر الشديد. نظر الولد إلى أمّه نظرة حائرة، واندسّ في حضنها، لكن جسمَ الأمّ كان مبلولاً. أسرعت الأمّ إلى باب الغرفة فخلعته، ووضعته مائلا على أحد الجدران، وخبأت طفلها وراء الباب لتحجب عنه سيول المطر.

ونظر الطفل إلى أمّه في سعادة بريئة، وقال: كان الله بعون الناس الفقراء الذين ليس عندهم باب يستطيعون وضعه فوق رؤوسهم حين يسقط المطر عليهم..!

ايار - May
العدد (99)

الموضوع: مريم العذراء في طقس كنيسة المشرق الكلدانية

 

ليتورجيا كنيسة المشرق الكلدانية

حظيت مريم العذراء بمكانة مرموقة في حياة ابناء كنيسة المشرق الكلدانية والآثورية، حيث غطى ذكرها مساحة كبيرة في مختلف الرتب والطقوس، أوسع من ان تحتويها صفحات مقال في مجلة. إن كلَّ ما نطمح اليه في هذا المقال هو رسمُ الخطوط العريضة لمكانة العذراء في هذا الطقس العريق(1).        تعكس مكانة العذراء في ليتورجيا كنيسة المشرق منزلتها في الكتب المقدسة. انها مكانة متوازنة، فلا مغالاة في تكريمها، أي لا إفراط في رفع منزلتها الى حدّ تنافس فيه الله في التقوى والعبادة، ولا تقليل او انتقاص في شأنها، أي عدم التنكرّ لصفاتها الأساسية السامية.     يمكننا تحديد مكانتها بكلمات قليلة على النحو التالي:"ان مريم العذراء هي والدة المسيح، الرب المخلص "، لذا فإن شفاعتها قديرة لدى الله، وهي الى ذلك امّ لأخوة يسوع ابنها، لذا فإنها كلية الحنان والشفقة بنا نحن البشر.        يتكون بحثنا عن مكانة العذراء مريم في طقوس المشارقة من القسمين التاليين:

مكانة العذراء مريم في الصلاة الفرضية    -   مكانة العذراء مريم في رتب اسرار الكنيسة

في طبعات الكتب الطقسية الكلدانية أجريت بعض التغييرات على نصوص التراتيل منها تبديل عبارة "أم المسيح" بعبارة " أم الله"، كما جرى تحوير في تعابير لاهوتية تتحدث عن سر تجسد المسيح، سنشير الى الاختلافات الموجودة بين طبعات الكلدان وطبعات الآثوريين.

مكانة العذراء مريم في الصلاة الفرضية      تتجلى منزلة العذراء السامية واضحة جلية من خلال الصلاة الفرضية التي يرفعها الكهنة والرهبان والراهبات والشمامسة وسائر المؤمنين في الكنائس الراعوية وفي معابد الاديرة، وذلك عبر مواسم السنة الطقسية. نتقصى مكانة العذراء مريم في الصلاة الفرضية من خلال العناصر التالية:

السنة الطقسية -  فترة البشارة  -  الاعياد المريمية  -  مكانة العذراء في بنية ساعات الصلاة

1 – مكانة العذراء في السنة الطقسية

تعكس منزلة العذراء مريم في السنة الطقسية الكلدانية المكانة التي منحها اياها الانجيل المقدس. إذ يرد ذكرها حينما تؤدي دوراً هاماُ خلال احداث حياة يسوع المسيح الارضية، أي انها تشارك يسوع ابنها في تنفيذ مخطط الله لخلاص البشر، لذا لا يمكننا فهم مكانتها السامية إلاّ ضمن إطار تدبير الخلاص.

قام البطريرك إيشوعياب الثالث الحديابي (649-659) بتنظيم التقويم الطقسي لكنيسة المشرق، فوزّع مراحل عمل يسوع الخلاصي عبر مواسم السنة الطقسية بحيث يحتفل المؤمنون بسر الخلاص كاملاً خلال السنة. فقسم السنة الى سبع فترات، تتكون كل فترة مبدئياً من سبعة اسابيع، واضاف اليها فترتين تتكون كل فترة منها من اربعة اسابيع، وضع الاول في بداية السنة والاخرى في نهايتها.        تبدأ السنة الطقسية بفترة البشارة / الميلاد التي تحيي ذكرى تجسد يسوع، الاله الكلمة من مريم العذراء، ثم تتوالى الفترات لتذكر بقية مراحل الخلاص، من عماد الرب، وتبشيره بالانجيل، موته وقيامته، والتطلع الى مجيئه الثاني، وتختم السنة بالتأمل بسر الكنيسة التي هي إمتداد لحضور يسوع في العالم.        ان ما يُلفت النظر في السنة الطقسية الكلدانية الحالية، هو ان للعذراء مريم ذكراً خاصاً في كل فترة من فتراتها، وذلك من خلال الاعياد المريمية المختلفة او من خلال المواسم الطقسية المقامة فيها، او من خلال الصلوات والادعية التي ترفع خلال ساعات الصلاة. يظهر ذلك جلياً من خلال العرض السريع التالي لفترات السنة الطقسية

 - فترة البشارة/ الميلاد: عيد البشارة، عيد مريم العذراء المحبول بها بلا دنس، عيد الميلاد، عيد تهنئة العذراء بميلاد الرب يسوع، عيد تقدمة يسوع وتطهير مريم العذراء.

     -فترة الظهور(الدنح) أي العماد: الاحد الرابع: ذكرى معجزة تحويل الماء خمراً بناءً على طلب مريم العذراء(يو2(

     - فترة الصوم الكبير: موسم الكنيسة مريم الطاهرة( الموصل) -  فترة القيامة: عيد مريم العذراء حافظة الزروع.

     - فترة الرسل: عيد حلول الروح القدس على التلاميذ بحضور العذراء مريم (اعمال1/14).

     - فترة الصيف: عيد انتقال مريم العذراء.  -    فترة ايليا/ الصليب: عيد ميلاد مريم العذراء.

       فترة موسى وفترة تقديس الكنيسة.      -

2- فترة البشارة/ الميلاد   تمتاز فترة البشارة/ الميلاد عن الفترات الطقسية الاخرى بتخصيصها مساحة كبيرة لذكر العذراء مريم، لذا فانها تستحق ان نتحدث عنها بصورة خاصة.

   تبدأ السنة الطقسية الكلدانية بفترة البشارة، وتصادف عادة اما الاحد الاخير من شهر تشرين الثاني او الاحد الاول من كانون الاول من كل سنة. قوامها اربع آحاد، تسبق عيد الميلاد المجيد، هدفها اعداد المؤمنين لذكرى تجسد المخلص.     تتّسم فترة البشارة/ الميلاد هذه بطابع مريمي رائع، إذ تحتوي على نصوص إنجيلية وتأملات لاهوتية تشرح سر تجسد المسيح وسر والدته المجيدة. ولا فترة طقسية اخرى تعطي هذه الاهمية لذكر العذراء. ويظهر ذلك من خلال النصوص الانجيلية التي تُتلى على مسامع المؤمنين اثناء القداس، ومن خلال التراتيل والابتهالات التي ترفع اثناء ساعات الصلاة الفرضية.

النصوص الانجيلية:

تسرد قراءات الانجيل المقدس، التي تُتلى أثناء قداس الآحاد والأعياد، احداثاً هامة من حياة مريم العذراء، وذلك على النحو التالي:

        1-الاحد الثاني من البشارة: بشارة الملاك جبرائيل للعذراء مريم بالحبل البتولي، زيارة مريم لنسيبتها اليشباع، الحوار بين اليشباع ومريم، نشيد "تعظم نفسي..."(لوقا 1/26-56).

        2-الاحد الثالث من البشارة: ولادة يوحنا المعمدان (لوقا1/ 57- 80).

        3- الاحد الرابع من البشارة: إعلان الملاك جبرائيل للقديس يوسف حبل مريم العذراء العجائبي والايعاز اليه بجلب العذراء الى بيته(متى 1/ 18-25).

        4-عيد الميلاد المجيد: ميلاد يسوع المسيح، بشارة الملاك للرعاة، وعبارة لوقا"وكانت مريم تحفظُ هذا الكلام كله وتفكر به في قلبها"(لو 2/ 1-20).

        5- الاحد الاول بعد الميلاد: زيارة المجوس للطفل يسوع مع مريم أُمه، هرب العائلة المقدسة الى مصر والعودة الى فلسطين(متى2/1-22).

        6-الاحد الثاني بعد الميلاد: مراسيم ختانة يسوع، رتبة تطهير العذراء في الهيكل، وتقدمة يسوع، وعثور مريم ويوسف على يسوع وهو في الهيكل، فكرة عن سياق حياة العائلة المقدسة في الناصرة، وعبارة لوقا "وكانت امه تحفظ هذا الكلام كله في قلبها"(لوقا 2/ 21-54).

ب- التأملات اللاهوتية:

  لا تشرح الصلوات والتراتيل التي تُؤدّى خلال فترة البشارة/ الميلاد النصوص الانجيلية التي تُقرأ ايام الآحاد، كل أحدٍ او اسبوع على حدة، بل تقدم خلال الفترة كلها تأملات لاهوتية عن سر التجسد، واتحاد الله الكلمة بالطبيعة البشرية، والحبل العجائبي، ودور العذراء مريم في سر التجسد، كما أنها تعبّر عن المشاعر البنوية التي تغمر أبناءَ كنيسة المشرق تجاه ام المخلص وامهم. فيما يلي بعض من هذه التأملات اللاهوتية والمشاعر البنوية:

1ً- اختار الله مريمَ من نسل ابراهيم لتلد المسيح

تُستهلُّ السنة الطقسية بصورة عامة، وفترة البشارة بصورة خاصة، بترتيلة نموذجية، تتسم بطابع صلوات المسيحيين الاولين، فهي تعبّر عن معان لاهوتية عميقة بكلمات قليلة، انها تقدم تأملاً سامياً بسر الكلمة المتأنس وبسر والدته القديسة.        تُرتّل هذه الترنيمة خلال صلاة المساء، عشية الاحد الاول من البشارة، وفيما يلي ترجمتها:

"إن الله(المولود) من الآب، لم يتخذ هيئة العبد(فيلي 2/7) من الملائكة (عبر1/5)، بل من زرع ابراهيم، واتى الينا في ناسوتنا بنعمته، ليخلص جنسنا من الضلال"(2هكذا تتحدث السنة الطقسية في بدء دورتها عن دور العذراء مريم في تدبير الخلاص من خلال عبارة "زرع ابراهيم"، التي تشير الى اياتٍ نبوية من العهد القديم، منها قول الرب لابراهيم ابينا "يتبارك بنسلك جميع الامم" (تك 22/18). ان العذراء مريم هي نسل او زرع ابراهيم، الذي منه اتخذ الله الكلمة جسداً بشريا ليخلصنا من الضلال، إذ لم يأتِ من أجل الملائكة بل من اجل البشر، كما يقول القديس بولس " لم يقم لنصرة الملائكة، بل قام لنصرة نسل ابراهيم، فحق عليه ان يكون مشابهاً لأخوته في كل شيء...(عبرانيين2/16-17).

ً2- المسيح آدم الثاني والعذراء حواء الثانية

"المجد للآب والابن والروح القدس:... يا لحكمة الله، إن رحم حواء، التي قضي عليها أن تنجب بالآلام، أصبح معيناً يهبُ الحياة. فحبلت بدون زرع وانجبت عمانوئيل، وحررت هكذا جنسنا من الفساد..." (3)(جلسة صلاة الأحد الأول من البشارة).تجاوز آدم الأول بواسطة امرأة، وبواسطة العذراء تجدّد في المسيح من الفساد..." (4)(جلسة صلاة الاثنين الاول بعد الميلاد).

ً3- تستحق العذراء مريم كل اكرام لانها انجبت المسيح يسوع:

"الام التي انجبته تستحقُ البركات، الاذرع التي حملته تسأهل المديح، الركب التي ربّته تستحق الثناء..." (5)(مدراش صلاة الليل للاحد الاول بعد الميلاد).

ً4- ولدت العذراء مريم يسوعَ بقدرة الله:

"...حبلت(العذراء) من دون أن يعرفها رجل، وذلك بقوة الروح القدس. الذي خَلَقَ آدم من التراب، وابدع حواء منه بلا زرع، هو نفسه جعل سارة العاقر تلد(التكوين 17/21)، ومن بعدها رفقة (التكوين 25/21)، وهو الذي كشفَ للعذراء حالة اليصابات..." (6)(ترتيلة قدس الأقداس للأحد الرابع من البشارة).

ً5- يتكرر ذكر البشارة في كل لحن:

"...أنا جبرائيل، القائم للخدمة امام تلك السيادة الرهيبة، ارسلني الآب لابشّركِ ببشارة تُبهجُ العالم كله: انك ستقبلين حبلاً- معجزة، إذ ستخلقه قدرةُ العلي في أحشائك، وتلدين ابنه عمانوئيل، الذي سيصالح الكائنات السماوية مع الأرضية، فيحمده الجميع قائلين: "المجدُ لكَ، يا مخلص العالم" (7)(جلسة صلاة الأحد الأول من البشارة).

3- الأعياد المريمية

خصصت الليتورجيا الكلدانية أعياداً وتذكارات عديدة للقديسة مريم، تبرز دورها في مخطط الخلاص وتبيّن قدرة شفاعتها من أجلنا.يمكننا أن نميّز ثلاثة انواع من الأعياد المخصصة بالعذراء مريم:

أ‌-     الأعياد المريمية ذات الطابع المسيحاني.     ب‌- الأعياد المريمية الثلاثة القديمة.

جـ- الأعياد المريمية التي دخلت الكنيسة بعد اتحادها بالكرسي الرسولي الروماني.

أ‌-     الأعياد المريمية ذات الطابع المسيحاني.

إنها الأعياد، التي تحتفل بها الكنيسة، لتُحيي ذكرى احداث هامة من حياة الرب يسوع الخلاصية، اشتركت فيها العذراء مريم إشتراكاً مباشراً؛ نخص بالذكر منها الأعياد الاربعة التالية:

1-    عيد البشارة، الذي يُحتفل به في الأحد الثاني من فترة البشارة. 2-    عيد الميلاد،(25 كانون الأول)

3-     عيد الختانة. 4-    عيد تقدمة يسوع.

1-    عيد البشارة:

تحتفل الكنيسة الكلدانية بعيد البشارة نهار الاحد الثاني من فترة البشارة، ويصادف في مستهل شهر كانون الأول من كل سنة. يُتلى أثناء القداس نصُ الانجيل المقدس الذي يسرد بشارة الملاك جبرائيل للعذراء مريم بالحبل البتولي(لوقا1/26-38).        تطور هذا العيد في ليتورجيا كنيسة المشرق من يوم واحد واصبح شهراً واحداً، يشمل الآحاد الأربعة التي تسبق عيد الميلاد.        فيما يلي نموذج لاحدى الترانيم التي تُؤدّى خلال هذه الفترة، وتُحيي الذكرى العطرة:  "من وجه الرب، سيد الأرض كلها"(مزمور 97/5): حينما بَشرّ رئيس الملائكة جبرائيل البتول بولادة يسوع المجيدة، تكلم معها بمخافة كبيرة ورعدة قائلاً لها:

-السلام عليك، ايتها المرأة المملؤة عجباً-       السلام عليك، إذ منك يُشرق محرر الكل

-السلام عليك، إذ منك يولد الأمل والحياة-       السلام عليك، إذ حُسبتِ أهلاً لسكنى ابن الله الكلمة

-السلام عليك، إذ فيك يكتمل العهدان-       السلام عليك، يا من ستلدين وأنت بتول كما تنبأ اشعيا

-السلام عليك، ايها الشعاع الاكثر ضياءً من كل النيرات-    السلام عليك، ايها القصر الذي اختاره الملك لسكناه

-                     السلام عليك، لانه منك يُشرق مبهج البرايا، هللويا"(8)

2-    عيد الميلاد المجيد

يحتفل ابناء الكنيسة الكلدانية بعيد الميلاد المجيد يوم الخامس والعشرين من شهر كانون الاول، ان الفروض المقامة عشية هذا العيد وصباحه حافلة بالتراتيل التي تشيد بأم الرب الطاهرة. نختار نموذجين منها:

-   "مَنْ رأى نعجةً حاملةً شبل أسدٍ(تكوين 49/9) ولا تخاف؟ مريم هي النعجة، والمسيح شبل الأسد، تُربّيه ولا تخاف. سبحانك يا ربنا، سبحانك يا ابن الله، الذي أكرمت مريم والدتك"(9)(من تراتيل السهرة).

-   "ايها المسيح الذي وُلدَ زمنياً في آخر الأزمنة من البتول، معين القداسة، لأجل خلاص جنسنا وتحرير الكائنات كافة، نطلب منك".

"ايها المسيح الذي وُلدتَ من ابنة حواء، فأبطلت القضاء الذي ادان حواء، فسادت الحياة الجديدة والرجاء الصالح والخلاص على اولاد حواء كافة، نطلب منك"(10)(مناداة السهرة).

3-    عيد الختانة

تحتفل الكنيسة الكلدانية بعيد الختانة في اليوم الأول من السنة الجديدة، ويمكن اعتباره عيداً مريمياً بسبب حضور العذراء مريم الى جانب ابنها في هذا السر، كما ان ذكرها حاضر في معظم الأدعية والترانيم التي ترفع فيه. نورد نموذجين من تراتيل جلسة الصلاة:

"قال الرب لي "انت ابني": (مز2/7): وُلدَ الابن الأزلي غير المنظور من الآب، بدون زمن، جوهرياً ومنذ الأبد، وأشرق من الطوباوية مريم في آخر الأزمنة، وخضع لختانة الجسد ليُتم رموز (الآباء) الصدّيقين"(11).

"لأنه ذكر كلمته القدوسة لابراهيم عبده(مز105/42): حينَ بلغَ ابراهيم مئة سنة وُلدَ له وريث في بيته. وفي آخر الزمان أشرق مخلصنا من العذراء مريم، لخلاص آدم الذي بلي بالفساد، وهكذا اكتملت بالمسيح الرموز التي رسمها ابراهيم واسحق"(12).

4-    عيد تقدمة يسوع

يرد عنوان هذا العيد في كتاب الفرض الكلداني على النحو التالي:"عيد دخول ربنا الى الهيكل، اذ حمله سمعان الشيخ على ذراعيه. ويُحتفل به في الثاني من شهر شباط، كل سنيّ العالم"(13). الا ان الكلدان يحتفلون به في مستهل شهر كانون الثاني.يذكر المصلون العذراء مريم في تراتيل هذا العيد وادعيته، طالبين شفاعتها القديرة للمؤمنين. فيما يلي ترجمة لاحدى هذه الترانيم التي نرفعها في صلاة الجلسة :

ولسانه ينطق بالحكمة(مزمور 37/30): تنبأ سمعان الشيخ عن يسوع الملك العظيم قائلاً: جُعل هذا لسقوط وقيام كثيرين في اسرائيل، ولكن ليس في الأمم، وعلامة للمخالفة، وسيجوز رمح الكرب والآلام في نفس امه"(14) (لوقا2/ 34-35).

ب‌- الأعياد المريمية الثلاثة القديمة

نجد في الطقس الكلداني  ثلاثة أعياد مريمية يحتفل بها الكلدان والاشوريون على السواء الى يومنا هذا؛ وهذا مؤشر الى أصالتها. وهي الاعياد التالية(15):

1"- عيد العذراء الذي يلي عيد الميلاد. 2"-عيد العذراء- حافظة الزروع- خلال شهر ايار.

3"-   عيد العذراء- خلال شهر اب.

        ان ما يضفي على هذه الأعياد الثلاثة سحراً خاصاً هو طابعها الشرقي المحلي، إذ تعكس حياة المؤمنين اليومية واهتماماتهم المعاشية، وتتسم بطابع فلاّحي متكامل، على النحو التالي:

-   يُحتفل بالعيد الأول في نهاية شهر كانون الأول او في مستهل كانون الثاني، فيطلب المؤمنون فيه حماية امهم العذراء لزروعهم.

-       يقع العيد الثاني في 15 أيار، يرجو المؤمنون فيه من العذراء ان تحرس السنابل من الآفات.

-       يصادف العيد الثالث يوم 15 آب، يتضرع المؤمنون الى امهم لترعى وتحمي الحصائد والكروم.

ينسب تقليد كلداني تأسيس هذه الأعياد الثلاثة الى الرسل انفسهم، كما ورد في أحد الترانيم التي ترتل في فروض العيد الأول، فيما يلي ترجمته:

"رُشّت ارض افسس كلها بالندى حينما استودع القديس يوحنا العذراء مريم رسالة قُضي فيها بأن يُحتفل بتذكار الطوباوية العذراء ثلاث مرات في السنة: خلال شهر كانون الاول(للدعاء) من أجل الزروع، اثناء (شهر) أيار من أجل السنابل، وفي (شهر) آب من اجل الكروم التي يستخرج منها (خمر) السر. اذ تصون مريم فعلاً زروع الحنطة من فساد الرض خلال شهر كانون الاول، وتحميها من الحشرات وتسقيها بالمطر حينما تنمو وتنضج اثناء شهر ايار، اذ يصنعون من هذه الحنطة خبز الاوخارستيا، وتبارك(العذراء)، يوم عيد انتقالها الى السماء في شهر آب، الكرومَ التي يستخرج منها الخمر، وهذا يستخدم مع الخبز لذبيحة القداس"(16).

تقابل هذه الأعياد المريمية الثلاثة الاعياد اليهودية الثلاثة الكبرى. كانت الفلاحة سبباً في نشأتها: عيد الفطير في فصل الربيع، وعيد حصاد الغلال او الاسابيع في الصيف، وعيد المحصول او جني العنب في الخريف:

"ثلاث مرات تعيد لي في السنة، تحفظ عيد الفطير: سبعة أيام تأكل قطيراً، كما أمرتك في الوقت المحدد من شهر أبيب. لأنك فيه خرجت من مصر. ولا يُحضَر امامي فارغاً.

وتحفظُ عيد حصاد بواكير غلاتك التي تزرعها في الحقل وعيد جمع الغلة في نهاية السنة، عندما تجمعُ غلاتك من الحقل. ثلاث مرات في السنة يَحضُر جميعُ ذكرانك امام الرب الاله"(خروج 23/14-17؛ 34/ 18و 22).

ان ما يسترعي الانتباه في هذه الأعياد المريمية الثلاثة، هو ان لها لدى الآثوريين الصلاة الفرضية ذاتها، مع اختلافات بسيطة في نصوص بعض العناصر التي تتكون منها الصلاة الفرضية، وهي: مجدلة صلاة الجلسة  ، المناداة الصلوات الكهنوتية التي تسبق فرض الصباح. أما لدى الكلدان، فنلاحظ ان لكل عيد من هذه الأعياد الثلاثة صلاته الفرضية الخاصة. كما ونلاحظ تطابقاً لدى الآثوريين والكلدان في عناصر صلاة العيد الذي يلي الميلاد المجيد.

1ً-عيد العذراء الذي يلي عيد الميلاد

تحتفل كنيسة المشرق بعيد العذراء بعد عيد ميلاد الرب يسوع المسيح مباشرة، لتبّين بصورة جلية دورها في مخطط الخلاص ولتظهر مكانتها السامية في سر التجسد، وأمومتها الإلهية.يحمل هذا العيد في كتاب الفرض-طبعة الآثوريين-العنوان التالي "تذكار السيدة مريم والدة المسيح" ويقع في نهار الجمعة الثانية بعد عيد الميلاد وعيد الدنح(17).يحتفل الكلدان بهذا العيد في اليوم الثاني من عيد الميلاد المجيد.له في كتاب الفرض-الطبعة الكاثولوكية- العنوان التالي: "عيد تهنئة والدة الله مريم"(18).يعكس هذا العنوان عاداتنا الشرقية التي تقتضي ان يزور الأهل والأقارب والأصدقاء الوالدة بمناسبة ولادة طفل جديد، مُقدِّمين التهاني على سلامتها وعلى الهبة السماوية التي منحها إياها الله بهذا المولود الجديد.يؤكد كتاب "عرض الطقوس الكنسية" الذي يرتقي تاريخه إلى القرن التاسع الميلادي، وقد كتبه مؤلف مجهول، بان البطريرك ايشوعياب الثالث الحدياني(649م-659م) هو الذي قضى بأن يُحتفل بهذا العيد المجيد بعد عيد الميلاد لان تدبير الخلاص بدأ بمريم العذراء، وبان يُحتفل بعيد العذراء نهار الجمعة لان حواء خلقت في هذا اليوم، ولان العذراء مريم نقلت الى السماء في اليوم ذاته وفيما يلي اقوال المؤلف المجهول:

"السؤال: لماذا رسم ايشوعياب بان يُحتفل بتذكار السيدة مريم بعد الميلاد...

الجواب: لأن الأنبياء ذكروا الطوباوية السيدة مريم، ولأن تدبير ربنا بدأ معها، ولان ولادته بالجسد منها حصلت...ولان ذكرها يرد في بداية الإنجيل..نقيم ذكرها يوم الجمعة لأن حواء أمها خُلِقت نهار الجمعة ثم خَطأَت... يجب الاحتفال بذكر مريم نهار الجمعة، لأنه يُظهر عِظَم منزلتها، وكما روي لنا بان انخذال حواء وسقطتها الأولى حدثا نهار الجمعة. كذلك نََقِصُّ أمجاد ابنة حواء، حيث انتصرت واجتازت هذا العالم نهار الجمعة، مُحاطة بجلال وتبجيل...إننا ننسى مآسي الخطيئة الأولى بواسطة مريم، اذ أصبحت علة قيام آدم. حينما نحتفل بمريم، ننسى خطيئة حواء أمها"(19).إذا نسب المؤلف المجهول اختيار تاريخ هذا العيد إلى البطريرك ايشوعياب الثالث، فهذا لا يعني بان هذا البطريرك، المجدد للطقوس، قد اخترعه من العدم. إذ يُنسَب إليه كذلك كتاب الفرض الإلهي ورتب القداس والعماد والغفران(20).فان هذه الرتب موجودة قبل زمانه بكثير، انما اقتصر عمله على تنظيم صلوات الفروض وتنسيق بنيتها،لذا يمكننا القول ان عيد العذراء مريم هذا، يرتقي تاريخه إلى ما قبل القرن الميلادي السابع.

يقدم كتاب "جنة النعيم جنة "، من القرن الميلادي العاشر، شروحا لقراءات الكتاب المقدس، بعهديه القديم والجديد، والتي تتلى خلال القداس عبر السنة الطقسية، وقد استقى تفاسيره من مصادر قديمة سبقته، فانه يذكر عيداً مريماً واحداً، وهو العيد الذي يحتفل به بعد الأحد الأول من عيد الميلاد(21).تجدر الإشارة أن هذا العيد هو العيد المريمي الوحيد الذي تذكره مخطوطات الإنجيل الطقسي ومخطوطات كتاب الفرض الإلهي التي استنسخت خلال القرون الميلادية التالية: الحادي عشر، الثاني عشر والثالث عشر(22).يا ما أحلى الترانيم التي ترتل يوم عيد السيدة العذراء مريم هذا. نختار بعضاً منها. نبدأ بتقديم انشودة-لؤلؤة، تشرح تعاون العذراء والكنيسة في خلاص العالم:قالت الكنيسة لمريم:تعالي ننطلق سويةً لنتضرع إلى ابن رب الكل من اجل (نيل غفران) خطايا العالم. اطلبي أنت منه لأنك أرضعته الحليب، أما أنا فسأتضرع لأنه مزج دمه في عُرسي. صلّي إليه أنت بصفتك الأم، وأنا بصفتي العروسة سيستمع بلا شك ال دعاء والدته ويستجيب تضرع عروسه"(23).وفي العصور اللاحقة أضيفت أناشيد جميلة، أمثال قصائد الشاعر كيوركيس وردة (القرن13)، الذي كان مغرماً بمحبة العذراء، حتى لُقِّبَ بـ "شاعر العذراء". نختار أبياتاً من إحدى قصائده، ترتل في هذا العيد.

"مَنْ رأى بتولاً صبية            شاخَ معها اسم البتولية           ولها ابن دون زواج

ان هذا لعجب يفوق الوصف    لقد خرج من مريم ينبوع       بشَّرت به أفواه أربعة

وارتوت منه الأرض كلها       وهي تؤدي التمجيد له..         كانت تحمل النار في حشاها

وتحتفل بحضرة الله في جسدها   ويرفرف الروح في نفسها      فكانت كلها سماء(24

2ً- عيد العذراء حافظة الزروع(15 أيار)

يرد عنوان هذا العيد في كتاب صلاة الفرض الكلداني على النحو التالي:

"تذكار السيدة مريم من أجل الحفاظ على الزروع والغلات، ويصادف في اليوم الخامس عشر من شهر أيار"24

يتسم هذا العيد بطابع محلي كالعيد السابق، يتضرع فيه المؤمنون الى العذراء لتبسط حمايتها على الزروع وقد اخرجت سنابلها واقترب وقت حصادها، لتصونها من الآفات الكثيرة والأخطار العديدة التي تهددها.

لقد اكتسب هذا العيد شعبية كبيرة خلال القرنين الاخيرين، فكانت الكنائس تغص بالمصلين الضارعين المنشدين، كما انهم يقومون بتطوافات حاشدة تخترق الزروع. ومما يلفت الأنظار هو اطلاق اسم هذا العيد على اديرة وكنائس عديدة. فلقد شيد الرهبان الكلدان الانطونيون في منتصف القرن التاسع عشر ديرهم الرئيسي في سهل بلدة القوش(محافظة نينوى الموصل) والواقع عند منحدر الجبل الذي يربض عليه دير المؤسس الربان هرمز، واطلقوا عليه اسم "دير العذراء حافظة الزروع"، ويحمل أحد أديرة الراهبات الكاترينات في بغداد اسم "دير سيدة السنابل- الزعفرانية"، ويسمى دير آخر لراهبات الكلدان- بنات مريم بـ"دير حافظة الزروع-الدورة"، كما اطلق على إحدى كنائس بغداد الكلدانية اسم"كنيسة العذراء حافظة الزروع- البياع".

يذكر الحسن بن بهلول هذا العيد في كتابه "الدلائل" الذي وضعه بين عامي 940م-942م، وذلك حين يستعرض الأعياد التي يحتفل بها خلال شهر ايار، فيقول: "وفي الخامس عشر منه: عيد الحنطة لمارتمريم"(25).

لا تعالج الادعية والتراتيل التي ترفع في صلاة فرض هذا العيد موضوع الزروع وحمايتها، بل تتحدث عن شفاعة العذراء القديرة وعن حنانها الوالدي، وذلك بصورة عامة، انها الشفاعة التي ينتظرها المؤمنون لانفسهم وللعالم اجمع. وفيما يلي ترجمة لإحدى الطلبات الواردة في مناداة لصلاة السهرة :

"ايها المسيح الذي استجبت طلبات والدتك حينما كانت على الأرض، وتسجيب الآن دوماً وتساعد كل الذين يلوذون بها، ويدعونك بواسطتها، نطلب منك".(26).

3ً- عيد انتقال مريم العذراء(15 آب)

        إن عيد انتقال مريم العذراء الى السماء مناسبة دينية هامة في حياة ابناء كنيسة المشرق المعاصرين. فلقد كان الكلدان يستعدون للاحتفال به بصوم يبدأ من مطلع شهر آب حتى عشية العيد، ثم تَقلَّص هذا الصوم الى خمسة ايام تسبق العيد، ثم الى يوم واحد. ويصوم الإخوة الآثوريون سبعة ايام قبل العيد.

        تذكر مصادر عديدة لكنيسة المشرق إنتقال العذراء الى السماء، نذكر بعضاً منها:

        - يقول المؤلف المجهول(القرن التاسع) في كتابه "عرض الطقوس الكنسية" ما يلي:

          "انتصرت(العذراء) واجتازت هذا العالم نهار الجمعة محاطة بجلال وتبجيل..."(27).

-   يقول الحسن بن بهلول في كتابه "الدلائل"(940م-942م) في معرض حديثه عن مواسم شهر آب ما يلي:

"في اول يوم منه: صوم مارتمريم، التي ذكر أنها في النصف منه...وفي الخامس عشر... ذكر أن ماتمريم، يوم وفاتها على ما تذكر الملكية"(28).

-   يؤكد سليمان البصري(ت1240م) انتقال مريم العذراء الى السماء في كتابه "النحلة"، اذ نقلتها الملائكة الى السماء باحتفال مهيب من دون ان تُدْفن في الأرض، حيث اجتمع الرسل كافة من كل صوب يوم وفاتها، وذلك للصلاة ونيل بركتها(29).

يرى التقليد الكلداني الرسل يتهافتون من كل حدب وصوب ليرافقوا العذراء مريم في لحظاتها الاخيرة. وفيما يلي ترجمة لترتيلة ننشدها بلحن شجي بمناسبة هذا العيد:

"ايها المسيح ملك العالمين، يا مانح الرحمة، ابعث المتوفين الذين رقدوا على رجائك. (ناجت) ام ربنا (يسو ع) قائلة له: "ها أنذا مائتة، وارجوا حضور الرسل لكي اتبارك منهم. فمَن يأتيني بشمعون من روما؟ ومن يأتيني بتوما من الهند؟ ويوحنا من أفسس وأدي من الرها"؟. قال لها: " ها أنذا أجلبهم ليحملوا نفسك، هللويا، ويزيحوا جسدك".

        ونقدم اخيراً ترجمة لترنيمة  ترتل خلال صلاة مساء عيد الانتقال:

"ايها المسيح مخلصنا، نشكرك ونمجدك، اذ حسن لربوبيتك، ان تنقل ام الحياة في مثل هذا اليوم من هذا العالم المادي الى موطن الافراح، لتتمتع على الدوام مع الجوقات الروحية والقوات السماوية. أهلنا ايها الرب بحنانك لنفرح وننعم معها بالحياة التي لا تزول ابداً"(30) .

        جـ - الأعياد المريمية التي دخلت لدى الكلدان بعد اتحادهم بالكرسي الرسولي الروماني

        1ً-عيد البشارة (25 آذار)

        أعدّ صلاة فرض هذا العيد البطريرك يوسف الثاني معروف (1696-1712)(31) وقد استقى صلواته من عناصر فترة البشارة، حيث تلائم معانيها هذا العيد(32).

إلا ان الكلدان أهملوا هذا العيد مؤخراً، لأنه يكرر فكرة العيد الوارد في فترة البشارة الآنفة الذكر، وعينوا الأحد الثاني من هذه الفترة عيداً للبشارة عوضاً عنه، إذ يقرأ في قداس هذا الأحد نص بشارة الملاك للعذراء مريم (لو1/26-38).

        2ً-عيد زيارة العذراء لنسيبتها اليشباع( 21حزيران(

        نظَّمَ البطريرك يوسف الثاني معروف (33)الصلاة الفرضية لهذا العيد (34). إن ما يسترعي الانتباه في صلوات هذا العيد تأملات في سر التجسد: تحمل العذراء في رحمها ذاك الذي لا تستطيع العوالم أن تحتويه(35). وان يوحنا المعمدان استلم رسالته وموهبة الوعظ خلال هذه الزيارة (36)

        3ً- عيد ولادة العذراء (8 أيلول)

        اعدّ الصلاة الفرضية لهذا العيد البطريرك يوسف الثاني معروف على الأرجح(37).

        يستقي فرض هذا العيد أفكاراٍ من معطيات إنجيل مار يعقوب المنحول، والذي يتحدث عن عقم حنة زوجة يوياقيم، وولادة العذراء تكمل وفقاً للنبؤات(38).

        تشرح مجدلة صلاة الليل، والتي كتبها الشاعر كيوركيس وردة (القرن 13) معاني هذا العيد، مؤكدة بان صادوق، والد العذراء، كان من عائلة داود النبي، وكان اسم زوجته دينا، ثم أصبح حنة بعدما تحنن الله عليها. كان هذان الزوجان منبوذين لدى الشعب اليهودي بسبب عقمهما، فأقاما الصلاة والصيام. وتضرعت حنة الى الله قائلة:

        "الويل لي، أيها الرب، لقد اذللتني بين معارفي.. فالأرض تنجب، وأما أنا فلا... وحتى الحيّات لهن صغار، وأنا فلا.. أيها الصالح الذي تحنن على حنة، تحنن على أمتك دينا". فطار ملاك من السماء، ووقف إزاءها "توقفي عن البكاء، سيصبح اسمك من الآن فصاعداً "حنة" لان الله تحنن عليك، ان الله الذي تحنن على النبية حنة قد ترأف بك أيضاً. انه يمنحك بنتاً، تطفح البركات على النساء من خلالها، وذلك عوض اللعنات(39).

        4ً- عيد العذراء المحبول بها بلا دنس (8 كانون الاول)

        اعد صلوات فروض المساء والليل والصباح لهذا العيد كاهن/ راهب اسمه القس دميانوس الالقوشي (ت 1855). تمتاز هذه الصلوات بالافكار اللاهوتية السامية، اذ تشيد بطهارة العذراء مريم، التي اصبحت هيكلاً مقدساً لله الكلمة.        تقول ترتيلة تسبق المزمور 140 المسائي ما يلي:

        " المجد لك ايها (الكائن) السامي الذي اجترح اموراً عظيمة في العذراء مريم، وأظهر فيها معجزاته، اذ صورَّها في الأحشاء وأبْدَعَها بحيث لا نجد شبيهاً لها، حتى بين الملائكة"(40).        وفيما يلي ترجمة للحن الذي يسبق مناداة  صلاة الليل:

        " وردةٌ جميلة وسرية، زهرة رائعة لا مثيل لها تفتحت في أرض قاحلة، مليئة بالأشواك واشجار البق. لقد حُبل بمريم طاهرة، بدون خطيئة، وذلك بقدرة الرب. (ولدت) من سلالة آدم البائس ومن حواء التي قتلتها الحية. ان لفي هذا العيد عجباً لا يمكن استقصاؤه ولا وصفة. المجد للقدرة الالهية السامية آمين"(41).

4- مكانة العذراء مريم في بنية ساعات الصلاة

        تعطي ساعات الصلاة الفرضية مكاناً بارزاً للعذراء مريم من خلال الصلوات العديدة التي تُرفع الى مقامها السامي ومن خلال الترانيم الشجية المكرسة لها، بحيث يمكننا القول: لا تخلو أية ساعة من ساعات الصلاة من الدعاء لها مرةً ومرتين لا بل أكثر. يؤكد الاب د. بطرس يوسف في هذا الصدد:

        "حينما نتقصى مكانة مريم في صلاة الفرض اليومية الكلدانية، يمكننا القول ما يلي: يُرفع الدعاء إليها سبع مرات يومياً، وذلك على اقل تقدير، مرتين أثناء الصلوات التي يرفعها الكاهن في ختام صلاة المساء، ومرتين صباحاً، ومرتين في صلاة فرض الشهداء، ومرة أثناء صلاة الليل، اضافة الى مرتين اخريين أيام الاثنين والثلاثاء والخميس"(42). نختار نماذج من هذه الأدعية التي ترفع أثناء الصلوات الفرضية التالية: 

أ-الصلوات والتراتيل التي تتكرر كل يوم.

1ً-تُذكِّر إحدى فقرات القسم الثاني من المناداة، التي ترفع أثناء صلاة المساء اليومية، بدور

العذراء مريم في مخطط الخلاص، إذ تقول:

"لذكر الطوباوية مريم البتول القديسة ام يسوع مخلصنا، لنصلِّ ونطلب من الله رب الكل، ليقدسنا الروح القدس الذي حل فيها بنعمته، ويكمل إرادته ويطبع فينا حقه جميع أيام حياتنا"(43).

2ً-يرفع الكاهن إحدى الصلوات الختامية صباحاً ومساءً، إلى الله طالباً شفاعة الأم البتول:

"ايها الرب، لتكن صلاة البتول القديسة(حمىً) لنا، ودعاء الأم المباركة، وتضرع الممتلئة نعمةً،

السيدة الطوباوية مريم، وقوة الصليب الظافر، والعون الإلهي، وطلبة يوحنا المعمدان، وذلك دوماً، وفي كل الأزمنة والأوقات، يا رب الكل، أيها الآب والابن والروح القدس إلى الأبد"(44).

3ً-يطلب الكاهن العون الإلهي في صلاة ختامية أخرى يكررها يومياً في نهاية صلاتَي المساء والصباح:

"...بصلاة السيدة الطوباوية، وصلاة سائر القديسين الذي حسنوا لديك..."(45).

4- تُرتل أبيات من الشعر الكنسي تسمى أي "الحان طلب العون الإلهي" في نهاية

صلاة الليل، وبعد جلسة الصلاة. جمعت هذه التراتيل في 68 مجموعة وفقاً للحنها. خُصص بيت في كل مجموعة من هذه المجاميع لرفع الدعاء إلى مريم العذراء يسمى أي ترتيلة مريم.    نورد فيما يلي ترجمة نموذج من هذه الأبيات، يستغيث فيه المصلون بالعذراء، معربين عن ثقتهم بامهم مريم وبقدرة حمايتها:التمس منك الخيرات(مز121/9): ايتها البتول والدة المسيح(46) سُدّي ثغراتنا، اذ تكتنفنا الامواج والاضطرابات من كل الجهات، وبالدالة التي تحظين بها لدى المسيح، اطلبي منه وتضرعي اليه ان يرحمنا، فيمنح الصحة للمرضى، والفرج للمتضايقين، والعودة للبعيدين، ولنا مغفرة الخطايا"(47).

الصلوات والتراتيل التي ترفع أيام الاسبوع البسيطة.

1- تحيطُ أبيات من الشعر الكنسي  بالمزمور المسائي المركزي 140 "يا رب إليك

صرخت، استجبني...". تخصص صلاة أيام الاثنين والثلاثاء والخميس بيتين منها لمريم العذراء، سبق احدهما المزمور المسائي ويتبعه الآخر، ويبدأ كلاهما بالمجدلة: "المجد للآب...". فيما يلي ترجمة احد هذه الأبيات الذي يرتل بعد المزمور مساء الاثنين: يا مريم ام ملك الملوك، تضرعي الى المسيح الذي أشرق منك، ليرحمنا بنعمته ويؤهلنا لملكوته"(48(

2- ترتل أبيات من الشعر الكنسي في نهاية صلاة الليل، تبدأ بعبارة "من الأبد والى الأبد..."،

خصص البيت الثالث بمريم العذراء، فيما يلي ترجمته: يا ربنا يسوع، بصلاة والدتك، أحل السلام في العالم المضطرب والقلق بسبب خطاياه، وضع حداًللحروب وللمنازعات، وأحل الوفاق بين الكهنة والملوك لنحتفل بذكر والدتك بالاتفاق والمحبة كل الأيام"(49).

 جـ- الصلوت والتراتيل التي تؤدي أيام الآحاد والأعياد.

        ً1- يرتل المصلّون نشيد مريم العذراء "تعظم نفسي الرب..."(لو1/46-55) في الصلاة الفرضية المقامة أثناء أعياد مريم العذراء، كافة، وذلك بعد مزامير السهرة (50).

        ً2- يردد المصلون مساء كل أحد بيتاً من أبيات الترتيلة الملكية  ،عدا آحاد الصوم الكبير وفترة القيامة، يبدأ هذا البيت بعبارة "يقول الشعب آمين".(مز 106(105)/48(

يستغيث المؤمنون في هذه الصلاة بمريم العذراء طالبين حمايتها لهم وللكنيسة جمعاء، قائلين    "أيتها البتول القديسة مريم، أم يسوع مخلصنا، تضرعي واطلبي الرحمة من الابن الذي أشرق من حضنك، ليبعد عنا بنعمته الأزمنة العصبية. وَليأتِِنا بالسلام والطمأنينة، فتصان بصلواتك البيعة وأولادها من الشرير، ونؤهل، يوم ظهور عظمته، أن ننعم معك باخدار النور"(51(

        ً3- يرتل المشارقة أبياتاً من الشعر الكنسي في نهاية صلاة السهرة تُسمى  أي "ترتيلة الليل" وذلك أيام الآحاد والأعياد وفي ذكرى القديسين، عدا خلال فترات البشارة والصوم الكبير والقيامة. خصص البيت الثالث للاستغاثة بمريم العذراء، لنيل الخيرات الضرورية وخاصة نعمة السلام:

        يقول الشعب آمين(مز106(105)/48): يا مريم، أيتها البتول القديسة، ام يسوع مخلصنا، تضرعي معنا الى المسيح، ليحل سلامه بيننا، ويصوننا من الأضرار كلها، ليلاً ونهاراً"(52).

        د- صلوات وتراتيل يوم "الأربعاء"

        يتشح فرض "الأربعاء" في طقس كنيسة المشرق بحلة مريمية زاهية، إذ يتضرع الكاهن إلى العذراء في معظم الصلوات التي يرفعها في هذا اليوم، وتنشد الجوقة لامنا البتول في غالبية التراتيل التي تصدح بها اصوات المنشدين

َ1- ترتيلة تسبق المزمور 140، اسبوع جوقة الأولين(54( نهاراً وليلاً (مز 43/4) في كل آن وزمان: لتكن صلاة البتول مريم، ام يسوع مخلصنا، سوراً لنا دائماً، ليلاً ونهاراً"(55)

ً2- ترتيلة تلي المزمور المسائي 140، اسبوع جوقة الآخرين :ملأت الأرض منها(مزمور 80/9) وظلّها غطى الجبال(مزمور 80/10): يا مريم، يا من ولدت دواء الحياة لأبناء آدم، اجعلينا نجد بصلاتك المراحم يوم الانبعاث"(56)

     ً3- ترتيلة المساء  ، اسبوع جوقة الاولين:   "ان مسكن العلي قدوس(مز 46/4)أشيد بكلمة الله(مز56/10): لقد احتفلت مريم في حشاها بالابن الكلمة بمجد عظيم، وصارت أما وأمة ليسوع مخلص الكل. لذا فان الخلائق كلها تفرح في يوم عيدها وتدعى إلى منزل النور، إلى النعيم الذي لا نهاية له. وجميعنا مع الأجيال قاطبة نعطيها أعذب الطوبى ونؤدي المجد لمن اختارها لصورته المجيدة"(57).

        ً4- الترتيلة التي تلي المزمور 140، اسبوع الجوقة الآخرين:   "لأنه سيدك، فله اسجدي(مز45/12)، اطلبي منه وتضرعي إليه ليرحمنا: يا مريم ام ملك الملوك، قدّمي معنا التماساً إلى الابن الذي وُلد منك، ليحل أمنه وسلامه في العالم، فتصان الكنيسة وأبناؤها من الأضرار"(58).

هـ- الصلوات والتراتيل التي نجدها في "فرض الشهداء".

يقيم الطقس المشرقي فرضاً خاصاً لتكريم الشهداء في نهاية صلاتي المساء والصباح، وذلك خلالأيام الاسبوع البسيطة، عدا أيام الصوم الكبير. يثني المصلون في أدعية هذا الفرض على شجاعة أبطال الإيمان هؤلاء، وعلى سخائهم غير المحدود، اذ بذلوا أغلى ما لديهم في الحياة الدنيا، أي دماءهم في سبيل الشهادة للمسيح. كما يستنجد المؤمنون في تراتيل هذا الفرض بشفاعة الشهداء القديرة، طالبين مراحم الله بواسطتهم.

        يتكون هذا الفرض من مجموعة ابيات من الشعر الكنسي المسماة  تنتهي بصلاتين يتلوهما الكاهن. لا بد ان المصلين كانوا يرتلون هذه الأبيات أثناء تطواف يقومون به ابتداء من البيم، وهو موضع مرتفع قليلاً عن أرضية الكنيسة يقع وسط الهيكل، انتهاء بـ "بيت الشهداء" أو "بيت القديسين" وهو عبارة عن غرفة تقع وسط الجدار الشمالي من الكنيسة، يحتفظ فيها بذخائر الشهداء والقديسين شفعاء الكنيسة.

        لكل يوم من ايام الاسبوع أبياته الخاصة. وهناك مجموعتان من هذه المجموعة الثانية في نهاية صلاة الصباح. وللاخوة الآثوريين مجموعتان أخريان لأيام الآحاد، تخصص المجموعة الاولى لآحاد اسبوع جوقة الاولين  وترتل المجموعة الثانية صباح آحاد اسبوع جوقة الآخرين  .خصص طقسنا المشرقي بيتاً من كل مجموعة من هذه التراتيل لذكر العذراء مريم، وبما انه توجد أربع عشرة مجموعة من تراتيل الشهداء، لذا نجد أربعة عشر بيتاً مخصصاً لمريم العذراء      نقدم ترجمة بيتين من هذه الأبيات التي ترتل تكريماً لمريم العذراء، يُرتل الأول صباحَ الاثنين والثاني مساء الجمعة:هلموا اسمعوا فأحدثكم(مز66/16): استمعوا وتعجبوا أيها العقلاء. لقد أنجبت البتول نور العالم برمته في بيت لحم. وها هوذا يحتفل بذكراها في أربعة أنحاء المعمورة، وفي السماء مع الملائكة"

طوباكِ أيتها البتول القديسة    طوباكِ يا أم المسيح طوباكِ،          لان كل الاجيال والقبائل تعطيكِ الطوبى

 طوباكِ، لأن الآب سُرّ بِك. طوباكِ، لان الابن البكر حَلّ فيكِ. طوباكِ، لأن الروح القدس اذاع اسمِك في المسكونة"

ثالثاً- مكانة العذراء مريم في رتب اسرار الكنيسة

        ان ذكر العذراء مريم بارز في رتب اسرار البيعة، الا انه يحتل مساحة أضغر من المساحة التي يشغلها في ساعات الصلاة الفرضية. نحاول اكتشاف هذه المكانة السامية في رتب العماد، والقداس، والرسامات الاكليريكية، والزيجة، ورتب تشييع الموتى المؤمنين.

1-رتبة العماد

يتشفع المصلون بالعذراء مريم مراراً في رتبة العماد، نشير الى اهم الاماكن التي يرد ذكرها فيها:

أ- تُخصّصُ المناداة  التي تقال بعد تلاوة الانجيل الطاهر"طلبة" بمريم العذراء، مطلعها"لاجل تذكارالطوباوية مريم البتول القديسة..." ، ورد ذكرها آنفاً، لان هذه المناداة تكرر يومياً خلال صلاة المساء.

ب- تَكوّن "قانون الايمان" ضمن اطار مراسيم المعمودية، اذ كان على طالبي العماد ان يتعلموا بنود الايمانالمسيحي خلال فترة الموعوظية، ويعلنوا اعتناقهم عقيدة الجماعة المسيحية التي يطلبون الانتماء اليها. يرد ذكر العذراء مريم في فقرة من فقرات "قانون الايمان" الذي يُتلى قبل رتبة تقديس الماء والزيت، حينما يؤكد بان"...ابن الله الوحيد... صار انساناً، وجبل به وولد من مريم العذراء..."(62).

جـ -يرتل الشماس مدراشاً بعد منح سر العماد مباشرة. والمدراش لحن تعليمي، يتحدث هنا عن عماد يسوعوعن مفاهيم المعمودية المسيحية. يرد ذكر العذراء مريم في المقطع الاخير على النحو التالي:

    تصف السماء مجد الرجل ذي البهاء السني-   ظهر في الغمام كصبي-  فُتحت الاسفار امامه

    انحدر ونزل بهاؤه الخفي-       مالت مريم وقبلته-       مادت مياه المعمودية -       وانحدر الروح ورفرف عليه

 

د- يتلو الكاهن في نهاية رتبة العماد صلوات ختامية، يلتجئ في احداها الى شفاعة العذراء مريم: "ايها الرب،

لتكن صلاة البتول القديسة حمى لنا..."

2- رتبة القداس الالهي

        يرد ذكر العذراء مريم في عناصر القداس المتغيرة، وفي الصلوات التالية:

أ‌-  العناصر المتغيرة: يطلب المصلون شفاعة امهم العذراء عبر التراتيل التي تتغير وفق المواسم الطقسية المختلفة وهي: 1- ترتيلة قدس الاقداس ، التي ينشدونها في مستهل القداس، داخل قدس الأقداس، اذ يكون ستار قدس الاقداس مسدلاً.

    2- "ترتيلة الانجيل" ، التي يؤديها الجوق في فناء الكنيسة خلال موسم الحر، أي خلال الفترة الممتدة ما بين عيد الصعود والاحد الاول من تقديس الكنيسة.

    3- ترتيلة الاسرار" ، التي ترنم اثناء نقل التقادم، أي الخبز والخمر، من "بيت الكنز" الى المذبح

    4- "ترتيلة البيم" ، التي يرتلها الجوق الجالس في البيم اثناء التناول. نقدم نموذجاً من هذه التراتيل، وهي "ترتيلة قدس الاقداس" التي يؤدونها في عيد تهنئة العذراء:

      "يا رب الكل، تشكرك القديسات اللواتي أحببن اسمك، لانك اخترت مريم من جنسهن، واحللت فيها سرك الخفي، اذ ظهر منها المسيح مخلص العالم بقوة الروح القدس. لذا تحتفل الكنيسة المقدسة بيوم عيد البتول"

        ب- يتناوب جوقا المذبح والبيم في ترتيل اربعة ابيات شعرية ، بعد "ترتيلة الاسرار" وقبل "قانون الايمان"، وذلك احياءً لذكر العذراء، والرسل، وشفيع الكنيسة والموتى المؤمنين. فيما يلي ترجمة البيت الاول المخصص بمريم العذراء:المجد للآب وللابن والروح القدس: لنذكر على المذبح المقدس العذراء مريم ام المسيح"

        جـ- اضاف الكاثوليك ذكراً للعذراء مريم في النَّصَّين التاليين الواردين في انافورا الرسل للقديسين أدي وماري:

    1-يشكر الكاهن المولى القدير من أجل النعم التي أغدقها على القديسين، وفي مقدمتهم العذراء مريم، على النحو التالي:"ايها الرب الاله القدير، اقبل هذا القربان الذي نقربه لك عن جميع النعم التي افضتها على الطوباوية مريم الدائمة البتولية، وعلى جميع الابرار الذين ارضوك..."(68).

    2-يستمطر الكاهن بركات الله على المؤمنين بشفاعة العذراء عبر الصلاة الختامية التالية: ليفض عليكم خيراته، وليمطر في بيوتكم وابل بركاته ومواهبه، وليُنجكم ربنا والهنا من الشرير وقواته بصلاة السيدة الطوباوية وجميع القديسين، وليصنكم من كل أذية خفية وظاهرة، الآن وكل أوان والى الأبد"(69).

3-  كتاب الحبريات

        يحتوي كتاب "الحبريات" الكلداني، الذي طُبع بهمة مجمع الكنائس الشرقية في روما عام 1957 على الطقوس التالية:أ-رتبة تقديس المذبح، وتستخدم لتكريس الكنائس الجديدة، أعده البطريرك ايشوعياب الثالث الحديابي(649-659م

ب-رتبة تكريس الزيوت المقدسة، من أعداد البطريرك عبد يشوع الخامس خياط(1894-1899م).

جـ- رتب رسامة الشمامسة والكهنة والأساقفة والبطاركة.

     نجد في كل من هذه الرتب صلوات وتراتيل عديدة مخصصة بمريم العذراء، نذكر بعضاً منها:

أ-رتبة تقديس المذبح والكنائس الجديدة:

"مدينة الملك العظيم(مزمور 48/2): أيتها البتول القديسة الطاهرة مريم، يا هيكل الروح القدس، تضرعي الى المسيح، لينجز الوعد الذي قطعه للكنيسة من خلال بطرس بكر إيماننا"

ب‌- رتبة تكريس الزيوت:

"ايتها البتول القديسة مريم، ام يسوع مخلصنا، تضرعي واستمطري الرحمة على الخطأة الملتجئين إلى

صلواتك، لئلا يهلكوا. لتكن صلاتك حمى لنا في هذا العالم وفي الدهر الآتي

جـ-رتب الرسامات:

ً1-تدعو تراتيل الرسامات العذراء مريم، ام يسوع الكاهن والحبر الأعظم، لتسهر على الكنيسة وخَدَمِتها، ليتمكنوا من أداء مهامهم ومواصلة رسالة المسيح الخلاصية(72).

ً2-اقتبست رتب الرسامات العديد من التراتيل من كتاب الفرض، وخاصة من مجموعة "تراتيل طلب العون الإلهي (73). نقدم فيما يلي ترجمة إحدى هذه التراتيل:

"لان ينبوع الحياة عندك(مز 36/9): أضحت مريم معين الخيرات ومصدر المعونات لجنس البشريين. فلتحرسنا صلواتها من الشرور، لنصبح معها من ورثة الملكوت"(74).

4-مراسيم الزواج

يرد ذكر مريم العذراء مراراً في مراسيم رتبة الزواج، الا ان معظم هذه التراتيل المريمية مستقاة من كتاب الفرض الإلهي، سبق وان ذكرنا العديد منها، لذا نكتفي بالإشارة اليها وذكر مطلعها.

تتكون رتبة الزيجة من المراسيم التالية:

أ- مراسيم العقد

انه عقد أولي لمراسيم الزواج، يطلب الكاهن في احدى الصلوات من الله ان ينزل غيث بركاته على المتعاقدين

وان يضع الأُلفة والمحبة بينهما "بشفاعة العذراء البتول، والدة المسيح، مستودع النعم والبركات.

ت‌- رتبة البركة على ثياب العروسين ترتل الجوقة ترنيمة، ترجو فيها حماية العذراء مريم وشفاعتها لأبناء آدم كافة، مطلعها: "يا مريم يا من ولدت دواء الحياة لأبناء آدم

جـ- رتبة الخطوبة تستنجد تراتيل هذا القسم بالبتول القديسة مراراً في المقاطع التالية:

1"- ترتيلة مطلعها:"لتكن صلاة مريم ام يسوع مخلصنا سوراً لنا ليلاً ونهاراً...

2"-ترتيلة مطلعها أخرى تبدأ بالمجدلة  ، مطلعها:"افرحي وابتهجي، أيتها المملؤة نعمة، مريم البتول الطاهرة، والدة المسيح...

3"- تبدأ ترتيلة أخرى بعبارة" يقول الشعب آمين: ايها الرب بارك النساء كما باركت السيدة مريم الطوباوية...

4"- ترجو الكنيسة العون الإلهي في ردة القانون أي (مز 37/23-28) "الرب يقدم خطوات الرجل..." على النحو التالي:"اللهم لتكن صلاة العذراء مريم وصلاة القديسين والشهداء حمى لساجديك..."(80).

5"-فيما يلي ترجمة لمقطع من مقاطع التسبيحة  "لتكن صلاة البتول مريم سوراً لنا ليلاً ونهاراً ازاء الشرير وقواته..."(81). 

د- رتبة الاكليل         نجد في رتبة الإكليل الترتيلة التالية المقتبسة من "الحان طلب المعونة":أرسل الله نعمته وحقه(مز57/4):أُرسل جبرائيل من بين صفوف الملائكة، فانحدر وزف لابنة المائتين بشرى أبهجت العالم كله، وسلم لها مرسوم الامان والسلام، وبشرها بحبل ملؤه العجب. القى عليها السلام، فقبلت حبلاً مدهشاً. قال لها "السلام عليك وطوباك، لأنك تلدين بلا زواج، اذ منك يشرق المسيح الملك، وبه يتجدد العالم العلوي والعالم السفلي، وكل ما فيهما، المجد له"(82).

هـ- رتبة بركة الخدر          نجد في الرتبة التراتيل المريمية التالية:

1"- "يقول الشعب آمين: ليسد السلام المسكونة بصلاة(العذراء) المباركة"(83).

2"-"التسبيحة: لتكن صلاة البتول سوراً لنا (يحمينا) من الشرير وقواته ليلاً ونهاراً(84).

3"- الصلاة الختامية: اللهم رب الكل، يا من قبلت قربان الآباء الصديقين القدامى...ليرض عنكم كما رضي بالقديسين. ليستجب صلواتكم... ليغنكم بالثروات الروحية والنعم المادية... بصلاة تابوت الخلاص، السيدة مريم الكلية الطهارة، ام المسيح ملكنا ومحيينا..."(85).

  5- تشييع الموتى المؤمنين

يحتوي كتاب "تشييع الموتى" على الطقوس والمراسيم التي تقام من أجل الموتى المؤمنين بكل فئاتهم: رجالاًونساءً، أطفالا وكباراً، اكليروساً وعلمانيين، وذلك خلال الايام الثلاثة التي تلي الوفاة، أي يوم التشييع واليوم الثاني والثالث.يتردد ذكر العذراء مريم في التراتيل التي تُرنم أثناء جلسات الصلاة في بيت الفقيد، وأثناء تشييعه الى المقبرة، وأثناء الصلاة المقامة عن روحه في الكنيسة خلال اليومين: الثاني والثالث للوفاة، وكلها مقتبسة من كتاب صلاة الفرض الإلهي، وخاصة من مجموع "تراتيل طلب العون"(86).

        أ-"ملأت الأرض منها(مز80/9): يا مريم، يا من ولدت دواء الحياة لأبناء آدم، اجعلينا نجد بصلاتك المراحم يوم الانبعاث..."(87).

        ب-"انه سيدك، فله اسجدي(مز 45/12): يا مريم، أيتها البتول القديسة، ام يسوع مخلصنا، لتكن صلاتك حمى لجمهور المؤمنين، ولتستجب صلواتنا بشفاعتك. ساعدي ضعفنا لنرى معك المسيح يوم ظهوره"(88)

       ج-أثناء الصلاة المقامة في الكنيسة بمناسبة اليوم الثاني لحدوث وفاة إحدى النسوة، يصعد احد الشمامسة الإنجيليين الى البيما الكائن وسط الهيكل، ويجلس بقية الحاضرين في أماكنهم. يقف الشماس متوجهاً صوب المشرق، ويتلو تعليماً مقتبساً من الكتب المقدسة، ليُلهِمَ ذوي الفقيدة الصبر والسلوان، مؤكداً بأنه لا مفر من الموت، لأن كل الأبرار والصديقين ذاقوا طعمه كسائر البشر، وذلك بدءاً بآدم وحواء، هابيل، ملكيصادق، إبراهيم، اسحق، يعقوب، داود، سليمان، ابن سيراخ، صموئيل وغيرهم، ويختم الشماس قائلاً:

        "... ان ربنا، الذي تشبه بنا واتخذ جسداً من بشريتنا، قد ذاق الموت كذلك، والسيدة مريم العذراء الطاهرة التي ولدته، وبها اكتملت كل المواعيد، ذاقت بدورها طعم الموت... فلا نتضايقن في العالم بسبب فراق اختنا... لان المسيح الملك يلبسها حلة المجد في العالم الجديد..."(89).

الخاتمة

        لا تقتصر مظاهر التقوى والتكريم التي يبيديها أبناء كنيسة المشرق على الأدعية التي يرفعونها لمقامها السامي أثناء الرتب الطقسية الآنفة الذكر، بل تتجلى في أمور عديدة(90)، نذكر بعضاً منها:

        أ-الكنائس والمزارات

        أقيم العديد من الكنائس والمعابد على اسم العذراء مريم. يذكر الأب جان موريس فييه في كتابه"آشور المسيحية" ثلاثاً وعشرين كنيسة شيدت على اسم العذراء منتشرة في شمال العراق(91)، يرتقي بعضها إلى العهود القديمة. مثال ذلك كنيسة مريم العذراء "سيدة الانوار" في قرية حوردبني(92)، التي تذكرها مخطوطات قديمة منها مخطوطة الرهبنة الكلدانية 195، التي جددها وأصلحها الشماس هومو ابن القس دانيال ابن القس إيليا الالقوشي لأجل كنيسة السيدة في حوردبني(93). وكنيسة السيدة مريم في قرية خردس المذكورة في مخطوطة الرهبنة الكلدانية 224 التي كتبها القس كوركيس ابن القس إسرائيل الالقوشي الساكن انذاك في تلكيف، وفرغ من كتابتها في 4 حزيران سنة 2026 يونانية (=1715م)(94).

        نجد حالياً في بغداد وحدها نحو عشرين كنيسة او معبداً على اسم البتول الطاهرة موزعة على مختلف الطوائف المسيحية، وفي مقدمتها الكاتدرائية الكلدانية، التي تحمل اسم "كاتدرائية ام الأحزان". وتحمل كاتدرائية البصرة الكلدانية اسم العذراء، وأشهر كنيسة في مدينة الموصل تدعى "كنيسة الطاهرة مريم" للكلدان، التي كانت كنيسة الدير الأعلى، الذي يرتقي عهد تأسيسه الى القرن الميلادي السابع.

ت‌- الاحتفالات الشعبية

يقيم المؤمنون احتفالات بمناسبة اعياد العذراء في الكنائس المقامة على اسمها. يبدأ الاحتفال بإقامة الذبيحة الإلهية،

حيث يقترب المؤمنون من سري التوبة والقربان المقدس، ثم يقيمون ما يسمى بـ"شيرا" وهو نوع من المائدة الأخوية المشتركة. اذ يجلب المؤمنون أصنافاً من الأطعمة الى فناء الكنيسة، حيث يضعونها على الموائد او على الأرض. وبعدما يتلو الأسقف او الكاهن البركة على هذه الأطعمة، يتناول منها الحاضرون سويةً، ليعبروا عن اخوَّتهم، كأبناء ام واحدة هي العذراء.

        جـ-العبادات التقوية

        هذا بالإضافة الى مختلف العبادات التقوية المريمية المعروفة، التي استقاها الكلدان من أبناء الكنائس الأخرى كالمراسيم المقامة خلال الشهر المريمي وصلاة الوردية والتساعيات وغيرها

 

الروزنامة الشهرية

الثلاثاء

    1  أيار    2012        

بدء الشهر المريمي- تذكار مار يوسف شفيع العمال- تذكار القديسة شموني و أولادها

الأحد

     6 أيار   2012

تذكار مار أدي رسول كنيسة المشرق الكلدانية

الثلاثاء

 15   أيار   2012

تذكار مريم العذراء حافظة الزروع و تذكار سلطانة مهدوخت 0

الخميس     

  17  أيار   2012

خميس الصعود –القداس الاحتفالي يكون صباحاً من خلال سفرة الرعية الى طريق المطار

الثلاثاء

22    أيار   2012

عيد القديسة ريتا شفيعة الأمور المستحيلة

الأحد

27    أيار   2012

عيد العنصرة حلول الروح القدس .

 
 
 

قصة روحية: التضحية

كان الشاب الصيني "شانج شو" يقف فوق الهضبة العالية المشرفة على شاطئ المحيط، يستنشق الهواء النقي، ويتأمل حقول الأرز الممتدّة تحت قدميه، وقد قارب وقت الحصاد، بعد أن جفّت العيدان وانحنت تحت حملها الوفير.

امتلأ قلب شانج بالرضا، فها هو الآن يمسح تعب الشهور الطويلة التي قضاها في رعاية الحقل، وها هو يقترب من تحقيق حلمه الكبير بالزواج من خطيبته المحبوبة بعد أن يبيع محصوله الوفير.

غير أن شيئاً مباغتاً أفزع شانج، وأخرجه من أحلامه. فقد أحس ببوادر هزة أرضية ضعيفة، ونظر إلى شاطئ المحيط البعيد، فرأى الماء يتراجع إلى الوراء، فعرف من خبراته البيئية أن الكارثة على الأبواب! فالماء حين يتراجع إلى الوراء، إلى قلب المحيط، يشبه الوحش الذي يتراجع إلى الخلف، ليستجمع كلّ قواه كي ينقضّ على ضحيّته بضراوة وعنف.

ولكن لماذا يخاف شانج، وهو فوق الهضبة؟ يتمثّل خوف شانج في إدراكه لحجم الكارثة التي ستتعرض لها القرية الصغيرة الراقدة في سفح الجبل، والتي يسكنها فلاحون فقراء لا يملكون من الحياة سوى أكواخهم المتواضعة.

لم يكن الوقت كافياً للنـزول إلى السفح لتحذير الناس. فصاح من فوق الهضبة حتى كادت جنجرته تنفجر، فلم يسمعه أحد. وبعد لحظات من الحيرة والقلق، اتخذ شانج قرارًا حاسمًا، فأشعل النار في حقله الصغير، ليثير انتباه الفلاحين في الوادي الآمن عند السفح.

ونجحت حيلة الشاب الصيني، فقد تدافع الجميع صاعدين إلى أعلى الهضبة لإنقاذ الحقول، بينما هبط هو ليلاقيهم في منتصف الطريق، ليعيدهم لالتقاط أطفالهم ونسائهم وحاجاتهم القليلة.

لم يتزوج شانج في تلك السنة، ولم يجد حاجاته الضرورية، ولم يسد ديونه، ولم يشتر فستانًا لأخته الصغيرة، ولم يأخذ أمّه العجوز إلى المدينة للعلاج والاستشفاء من الآم الروماتزم! لكنه أنقذ حياة قرية كاملة، وأصبح عمدة القرية ونائبها، لأنّه أثبت أنه قادر على حمل المسؤولية.


نيسان - April
العدد (98)

 البطريركية الكلدانية الكاثوليكية – نظرة موجزة

 

الفصل الأول - جذورها التاريخية

أسس المسيح كنيسته على الأرض لتواصل عمله الخلاصي بين البشر وتنشر بشارة الملكوت التي تولي الناس الفرح والسلام. وامتثالا لوصية ربّنا يسوع المسيح لتلاميذه: "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم" (مت 19:28)، انطلق التلاميذ، بعد أن نالوا موهبة الروح القدس وامتلئوا قوة من العلاء، يجوبون البلدان وينادون ببشارة المسيح ويدعون الناس إلى الإيمان به.

المسيحية في بلاد ما بين النهرين

لا تتوفر لدينا وثائق تاريخية عن وقت دخول المسيحية إلى بلاد ما بين النهرين، إلاّ أن كتابات آباء الكنيسة والتقليد الكنسي تؤكد على أن بلادنا كانت من أولى البلدان التي توجّه إليها الرسل، أو خلفاءهم الأوائل، لنشر تعاليم المعلّم الإلهي فيها. ويرى المختصون بالتاريخ الكنسي، استنادا إلى هذه المصادر عينها، أن المسيحية دخلت هذه البلاد بين نهاية القرن الأول وبداية القرن الثاني الذي شهد وجود جماعات مسيحية منتشرة في عموم البلاد.

أما عن مبشر بلاد ما بين النهرين، فيروي لنا التقليد الكنسي أن توما الرسول بشّر أهل هذه الأرض خلال مروره بها وهو في طريقة إلى الهند للتبشير فيها. ويأتي ذكر توما الرسول بهذا الشكل بدعوى إثبات رسولية الكنيسة في البلاد، وهو أمر جار في كل الكنائس. إلاّ أن ما توفره المصادر، من كتابات آباء الكنيسة والتقليد الكنسي، يساعد المختصين على أن يروا أن المسيحية دخلت إلى هذه البلاد أولا إلى مدينة الرها (أورفا الحالية في تركيا) على يد مار أدّي الرسول، أحد الاثنين والسبعين تلميذا، حتى أن رئيس الكنيسة يوصف ب"الجالس على كرسي أدي الرسول". وبعد الرها، كان لأجاي وماري، تلميذي مار أدي الرسول، الفضل الأساس في نشر المسيحية في باقي أنحاء البلاد. فقد توجه مار أجاي، إلى بلاد فارس وآشور وأرمينيا والأهواز ثم توجه شرقا إلى الهند. أما مار ماري، فقد قام بنشر البشارة في ما بين النهرين الشرقية، حيث اتجه إلى حدياب (أربيل الحالية) ثم انحدر بمحاذاة جبال فارس إلى بيث كرماي (وتشمل السليمانية وكركوك الحاليتين) ثم ديالى، واتجه بعدها إلى كشكر (قرب مدينة الناصرية الحالية) ليعود فيصعد ليؤسس كنيسة قطيسفون وساليق (وهي منطقة المدائن الحالية) ليموت في دير قوني إلى الجنوب من المدائن، ويترك خليفة له على كرسي قطيسفون ساليق مار فافا الأسقف الذي سيكون له الدور الفاعل في توحيد الكنيسة في بلاد ما بين النهرين.

تسمية الكنيسة في بلاد ما بين النهرين

انتشرت المسيحية في بلاد ما بين النهرين شرقي نهر الفرات في أراضي الإمبراطورية الفارسية، لتمتد نحو الشرق حتى الصين. لذا جاءت تسمية الكنيسة في هذه البلاد نابعة من هذه الظروف الجغرافية والسياسية، فأطلق عليها اسم كنيسة المشرق نسبة إلى انتشارها في أرض المشرق وشرقي الفرات، كما أطلق عليها اسم كنيسة بلاد فارس نسبة إلى انتشارها في الأراضي الواقعة تحت الحكم الفارسي.

نشوء الجثلقة في كنيسة المشرق

انتشرت المسيحية في بلاد ما بين النهرين، واستقرت خلال ثلاثة قرون، من دون أن تنتظم تحت رئاسة كنسية واحدة، بل كانت عبارة عن كنائس (جماعات مسيحية) يرأس كل منها أسقف، وكانت هذه الجماعات ترتبط فيما بينها برابط وحدة الإيمان والليتورجيا واللغة.إلاّ أن قرب أسقف قطيسفون وساليق من بلاط الإمبراطور الفارسي جعل هذا الأسقف الأكثر بين الأساقفة المشرقيين احتكاكا بالسلطة المدنية والأكثر تمريرا للقضايا الكنسية بين يدي الإمبراطور، سواء تلك التي تخص كنيسة قطيسفون وساليق أو تلك التي تخص الكنائس الأخرى الشقيقة في بلاد فارس.ونظرا لدور أسقف قطيسفون وساليق هذا، فقد جرت المحاولة الأولى لتوحيد كنيسة بلاد ما بين النهرين على يد مار فافا، أسقف قطيسفون وساليق، حين لمس الخلل في الكنيسة ورأى ضرورة تنظيمها وتنظيم الدرجات الكنسية تحت إدارة موحدة يرأسه هو ذاته كونه أسقف قطيسفون وساليق.أثار مخطط مار فافا هذا اعتراضات شديدة من قبل باقي الأساقفة، واتهموا مار فافا بالتكبّر والتجبّر، وحاولوا عقد مجمع كنسي لإقالته وتنصيب مار شمعون برصباعي، رئيس شمامسته، أسقفا بدلا عنه، وكادوا أن يصيبوا هدفهم هذا لولا أن مار فافا رفع القضية إلى أساقفة الغرب، وخاصة أسقف الرها. وقد جاء تدخل أساقفة الغرب في صالح مار فافا، فأبطلوا كل ما قُرر ضده، وتقرر أن يرأس هو كنيسة المشرق، ينظمها ويدير شؤونها، فكان مار فافا هو أول جاثاليق في كنيسة المشرق (تعود كلمة الجاثاليق إلى أصل يوناني ويعني "العام" أو "المشرف").وبعد أن استلم رئاسة الكنيسة، قام مار فافا بإزالة أثار الإنشقاق الذي نشأ بسبب تصرفات معارضيه، كما قام بإجراء عدة إصلاحات قانونية فيما يخص تقسيم الأبرشيات وتنظيمها، إلاّ أن ثمار هذا الإصلاح لم تقطف يانعة إلاّ بعد عشرات السنين مع مجمع مار اسحق سنة 410. بعد وفاة مار فافا سنة 329، خلفه مار شمعون برصباعي جاثاليقا على كرسي كنيسة المشرق، فقد ثبتت مسألة الجثلقة فيها لتواصل مسيرتها الرسولية تحت رئاسة الجاثاليق.

الفصل الثاني - استقلاليتها وعلاقتها بالكرسي الرسولي

استقلالية كنيسة المشرق

شغلت كنيسة المشرق رقعة جغرافية كانت تحت الحكم الفارسي، في حين أن الكنيسة الغربية كانت تحت الحكم الروماني. لم يكن لهذا الأمر أهمية إلاّ بعد مرسوم ميلانو الصادر سنة 313 (أعلن هذا المرسوم الملك قسطنطين بتشجيع من أمه القديسة هيلانة. وبموجب هذا المرسوم، أعطيت حرية اعتناق المسيحية وممارسة شرائعها لمواطني الإمبراطورية الرومانية)، حيث بدأ الفرس ينظرون إلى مسيحيي إمبراطوريتهم على أنهم جواسيس موالين لأعدائهم الرومان الذين كانوا يرعون الديانة المسيحية التي كانت قد انتشرت في الإمبراطورية الفارسية، بل وتغلغلت حتى في البلاط الفارسي. فصار هذا الأمر أحد أسباب اضطهاد المسيحيين في الإمبراطورية الفارسية.من ناحية أخرى، فرضت الحروب بين الفرس والرومان على مسيحيي كنيسة المشرق صعوبة الاتصال بإخوتهم الغربيين، الأمر الذي أسهم في نمو كنيسة المشرق مستقلة إداريا عن كنيسة الغرب. وقد بدا هذا الأمر واضحا في مجمع اسحق المنعقد سنة 410، والذي نظم الإدارة الداخلية لكنيسة المشرق، كما أن مجمع داديشوع، المنعقد سنة 424، أكّد ضرورة الاستقلال الإداري عن الغربيين وأن على أبناء الكنيسة أن يهتموا بها وبأمورها. فهذا الوضع السياسي المعقد الذي أحاط بكنيسة المشرق أتاح لها، منذ نشأتها، أن تكون مستقلة إداريا وليتورجيا عن الكنيسة الغربية.أما من الناحية العقائدية، فلم يكن هناك فرق في بداية نشأة الكنيسة، إلاّ أن ظهور تعاليم نسطوريوس وانتشارها في كنيسة المشرق عن طريق مدرستي الرها ونصيبين، من ناحية، ومحاولات المونوفيزيين للتغلغل في كنيسة المشرق، من ناحية أخرى، جعل أساقفة كنيسة المشرق ومعلّميها يميلون إلى تعليم نسطوريوس. وقد أدى ذلك إلى الإسهام في تمييز الفرس بين نوعين من المسيحيين: فمسيحيو الإمبراطورية الفارسية لا يدينون بنفس المعتقد الروماني. لذا يمكن القول: إن الوضع السياسي كان عاملا في قبول كنيسة المشرق التعاليم النسطورية والانفصال العقائدي عن الغرب، بالإضافة إلى الدافع الوقائي ضد المونوفيزية.

محاولات الانفتاح الفكري على كنيسة الغرب

لم يكن هذا الوضع الخاص بكنيسة المشرق سليما تماما. فرغم أنه وفّر للكنيسة استقلالية خاصة وأعطاها خصوصية بين الكنائس الأخرى، إلاّ أنه لم يخل من سلبيات تمثلت في العزلة الدينية والروحية عن عموم التيار المسيحي في العالم، وذلك لنفس الأسباب التي نشأت به كنيسة المشرق مستقلة؛ أي هذا الظرف السياسي والعداء العميق بين الإمبراطوريتين الفارسية والرومانية.وقد رأى عدد من جثالقة ومفكري الكنيسة هذا الخلل، بل الخطر المحدق بالكنيسة. ونتيجة لهذه الرؤية، جرت عبر تاريخ كنيسة المشرق محاولات عدّة للعودة بالكنيسة إلى الخط العام وإنقاذها من العزلة التي تعيشها. وكانت هذه المحاولات إما على صعيد الفكر اللاهوتي أو على صعيد العلاقة الرسمية مع كنيسة الغرب.

أولى المحاولات الفكرية، كانت محاولة حنانا الحديابي الذي كان مديرا لمدرسة نصيبين، المدرسة اللاهوتية الرسمية لكنيسة المشرق، والذي تولى إدارة المدرسة منذ سنة 572 حتى وفاته في سنة 610. حاول حنانا أن يُدخل آراء يوحنا فم الذهب مفضّلا إياها على تعاليم تيودورس المصيصي الذي كان يعد المعلّم الرسمي لكنيسة المشرق وإليه كانت تستند كافة الطروحات اللاهوتية فيها. إلاّ أن محاولة حنانا هذه للانفتاح الفكري على الغرب لاقت معارضة شديدة من قبل رئاسة الكنيسة، فقد حارب هذه المحاولة عدد من الجثالقة منهم إيشوعياب الأول (582-595) وسبريشوع (596-604).ورغم فشل هذه المحاولة في زمانها، إلاّ أنها تركت أثرها في نفوس البعض، الأمر الذي أدى إلى ظهور مفكرين كبار تمسكوا بتعاليم حنانا وأعلنوها في كتاباتهم مثل يوسف حزّايا ويوحنا الدلياثي وسهدونا. فقد حاول هؤلاء وغيرهم ربط كنيستهم بأصولها العريقة ومدّها بما ينعشها ويغذيها ويتيح لها التجدد دوما، ضمن كنيسة المسيح الشاملة، والتكيّف مع الظروف والأحداث لمواصلة رسالتها في عالم البشر.

محاولات مبكرة للإتحاد مع روما

أما على صعيد العلاقة الرسمية بكنيسة الغرب، فقد ادخر لنا التاريخ من الوثائق ما يؤكد حدوث محاولات مبكرة نسبيا للإتحاد بالكرسي الرسولي في روما. وقد جرت هذه المحاولات بعد زوال الدولة الفارسية ونشوء الدولة الإسلامية واستقرارها وبناء علاقات طيبة لها مع جيرانها، مما جعل كنيسة المشرق تنعم بالاستقرار والسلام وتفكر بتحسين علاقاتها مع باقي الكنائس التي طالما بقيت كنيسة المشرق شبه منعزلة عنها.وقد جرت أولى المحاولات الرسمية على يد الجاثاليق سبريشوع الخامس (1226-1256) الذي عُرف بعلمه وقداسته. وكان سبّاقا في مضمار الوحدة، فأعرب عن رغبته فيها وعن معتقده الميّال إلى معتقد الكنيسة الجامعة. وقد نقل هذه الرغبة المرسلون الغربيون إلى البابا أشنسيوس الرابع الذي وجّه رسالة إلى الجاثاليق يهنئه فيها على حقيقة إيمانه. أجاب الجاثاليق على رسالة البابا برسالة، أوكل كتابتها إلى الربّان آرا وكيله العام، يشكره فيها ويبدي اعترافه بسلطة الحبر الروماني، كما أرفق معها رسالة من مشارقة الصين وأخرى تتضمن صورة إيمان رئيس أساقفة نصيبين إيشوعياب برملكون تحمل توقيعه مع تواقيع مطرانين وثلاثة أساقفة مع صورة إيمانهم. إلاّ أن الأمر وقف عند هذا الحد، فقد جاء الاجتياح المغولي لينشر الفوضى والإرهاب في المنطقة... فقضت هذه المحاولة نحبها.وقد جرت المحاولة الثانية في عهد الجاثاليق يهبالاها الثالث (1281-1317) بواسطة زميله الربّان صوما سنة 1287، حين أرسله كل من الجاثاليق يهبالاها الثالث والملك المغولي أرغون مبعوثا إلى البابا نيقولا الرابع وملوك الغرب. وقد حضي الربّان صوما بإكرام وترحاب البابا الذي زوّده هدايا إلى الجاثاليق مع رسالة بيّن فيها عقيدة الكنيسة الجامعة ودعا الجاثاليق إلى الانضمام إليها. ثم توقفت المراسلات عند هذا الحد حتى سنة 1304، حين أرسل الجاثاليق رسالة إلى البابا بندكتس الحادي عشر بيد الراهب الدومنيكي يعقوب مبيّنا فيها صورة إيمانه ومبديا طاعته وتعلقه، هو وجميع أساقفته، بالكرسي الرسولي. إلاّ أن هذه المساعي ذهبت أدراج الرياح، إذ كانت تفتقر إلى دراسات رصينة شاملة، كما قضت عليها الظروف السياسية ومواقف المغول المتقلبة.أما المحاولة الثالثة فقد جرت في عهد الجاثاليق شمعون الرابع باصيدي (1437-1476) من قبل المسيحيين المشرقيين في قبرص. كانت قبرص، كونها جزيرة يفصلها بحر شاسع عن الشرق الأوسط، ملاذا لكثير من سكان تلك المناطق، خاصة المسيحيين منهم، هربا من الحروب التي دارت رحاها بين الشعوب الفارسية والعربية والتركية والمغولية للسيطرة عليها. كما كان فيها جالية مشرقية تعود إلى السبايا التي جاءت بها قوات الروم من تلك البلاد. أما على الصعيد الكنسي، فإن مشرقيي قبرص كانوا ينضوون تحت رئاسة أسقفية تابعة لمطرافوليطية طرسوس التي كانت، بدورها، تتبع أبرشية دمشق. في سنة 1222 توجهت أنظار روما إلى هؤلاء المسيحيين، فجرت محاولات عديدة لسحبهم إلى الكثلكة. لكن هذه المحاولات لم تحقق نجاحا يذكر إلاّ في سنة 1445، عندما اقتنع المطران المشرقي في قبرص بانحراف التعاليم النسطورية وأرسل صورة إيمانه إلى البابا مطلقا على نفسه لقب مطران الكلدان. وقد أجابه البابا بكتاب يمنع فيه إطلاق لقب نساطرة على كلدان قبرص... فكانت تلك هي المرة الأولى التي يطلق فيها لقب الكلدان على مسيحيي كنيسة المشرق المتحدين بالكرسي الرسولي. إلاّ أن هذه الجماعة الكلدانية، مع الجالية اليعقوبية الساكنة في الجزيرة، انقرضت بعد أن تغلب الأتراك على اللاتين وطردوهم من الجزيرة، فكان مصير تلك الجماعات الشرقية إما أنها هربت إلى أوربا لتذوب داخل الكنيسة اللاتينية، أو أن قسما منهم أعلنوا إسلامهم خوفا من تهديدات الأتراك.

حركة يوحنا سولاقا الوحدوية

بعد هذه المحاولات الوحدوية المبكرة نسبيا، واصلت كنيسة المشرق مسيرتها حتى منتصف القرن السادس عشر حين شهدت هذه المسيرة انعطافة شديدة إثر احتجاجات شديدة من عدة أساقفة على النتائج السلبية التي أتى بها قانون حصر الجثلقة بعائلة "بيت أبونا". فقد كان الجاثاليق يرتقي إلى كرسي كنيسة المشرق بانتخاب المطارنة والأساقفة له، ولم يتم انتخاب إلاّ من تتوفر فيه الشروط اللازمة للقيام بأعباء الرئاسة الكنسية، فكان ذلك عاملا في ظهور جثالقة عظام في إيمانهم وشجاعتهم وفكرهم وثقافتهم وروحيّتهم وحنكة إدارتهم.

إلاّ أن الصدفة شاءت أن يتم انتخاب ست جثالقة متتالين، ابتداء من طيمثاوس الثاني (1318-1332)، من عائلة "بيت أبونا". فلما تولّى رئاسة الكنيسة شمعون الرابع الباصيدي (1437-1476)، وكان أيضا من نفس العائلة، استغل هذا الواقع ليسنّ قانونا يحصر الجثلقة بأبناء عائلته دون غيرها، غير مبال باعتراضات المطارين والأساقفة الذين رأوا في هذا القانون خرابا وتدهورا للكنيسة،من ناحية، وإنكارا وسلبا لحقوقهم، من ناحية أخرى.

وبالفعل، جاء هذا القانون على كنيسة المشرق بنتائج وخيمة؛ فقد بلغ إلى رئاسة الكنيسة أشخاص غير مؤهلين للقيام بمهام الجاثاليق، كما عمل جثالقة عائلة "بيت أبونا" على ضمان استمرار حصر الجثلقة في عائلتهم من خلال تقليص رؤساء الأساقفة في الكنيسة، حتى بلغ الأمر بأحدهم، وهو شمعون السادس برماما (1538-1558)، إلى حصر رئاسة الأسقفية في شخص واحد من عائلته لا يزيد عمره عن ثمان سنوات كي لا يتسنى لأحد آخر أن يرسم جاثاليقا خارجا عن العائلة، إذ أن القانون يمنع رسامة الجاثاليق إلا على يد من هو برتبة رئيس أساقفة.

إزاء هذا الوضع المتدهور، اجتمع ثلاثة من أساقفة كنيسة المشرق، وهم أساقفة أربيل وسلماس وأذربيجان، وعقدوا مجمعا مصغرا في منطقة الجزيرة، ثم مجمعا موسّعا في مدينة الموصل حضره أيضا وفود الأكليروس والعلمانيين من شتى الأماكن حاملين كتب تخويل من الشعب الذي يمثلونه. وقد تداول المجتمعون في شؤون الكنيسة وشجبوا قانون الوراثة وقرروا مقاطعته والعودة إلى قوانين الكنيسة الأصلية، ورأوا أن الأمر يستوجب انتخاب شخص تتوفر فيه المؤهلات اللازمة ليتولّى قيادة الكنيسة في تلك المحنة التي كانت تمر بها. وعندما بدأت عملية الانتخاب، توجهت الأنظار شيئا فشيئا إلى الراهب يوحنا سولاقا ابن دانيال بلو، رئيس دير الربّان هرمزد الواقع بالقرب من ألقوش، لما امتاز به من فضيلة وروح إنجيلي وتضحية ونكران ذات مع علم وإدارة. فأرسل المجتمعون إلى الدير من يخبره بانتخابه وبطلب المنتخبين بحضوره، إلاّ أنه رفض لأنه شعر بثقل المسؤولية التي يريدون إلقاءها على كتفيه. وأرسل الأساقفة بطلبه ثانية، وأعاد رفضه، فما وجدوا سوى أن يرسلوا إليه من يأتي به رغما عنه. ولما وصل يوحنا سولاقا إلى قاعة الاجتماع تعالت هتافات الحاضرين ترحابا بالبطريرك المنتخب.وإزاء إلحاح المجتمعين، أذعن يوحنا سولاقا لمشيئة الله ولمطلب الكنيسة... وكان ذلك في مطلع سنة 1552.ولمّا لم يكن ممكنا رسامة يوحنا سولاقا بطريركا على الكنيسة، لعدم وجود رئيس أساقفة بين الحضور، تزوّد يوحنا سولاقا بأوراق اعتماد رسمية وكتب شجب لقانون الوراثة ورسالة موجهة إلى الحبر الروماني تلتمس موافقته على رسامة يوحنا سولاقا وتثبيته بطريركا شرعيا مخولا على كنيسة المشرق قاطبة.

انطلق يوحنا سولاقا مع الوفد المرافق له ليصل روما في تشرين الثاني سنة 1552، فاستقبل بحفاوة بالغة وعُيّن له مكان للإقامة قرب الفاتيكان. وبعد استراحة دامت بضعة أيام، بدأت الإجراءات الرسمية في فحص القضية وفحص شخص يوحنا سولاقا واستقامة إيمانه. وقد استمر ذلك حتى شباط سنة 1553، حين قدم يوحنا سولاقا صورة إيمانه للحبر الروماني قداسة البابا يوليوس الثالث التي على أثرها صدرت بحقه براءة بابوية تعلنه وتثبته بطريرك الموصل على الكلدان. ثم جرت رسامته الأسقفية ثم البطريركية حيث منحه البابا درع الرئاسة، الباليوم، بنفسه وبحضور عدد من الكرادلة والأساقفة.

وبعد فترة قضاها يوحنا سولاقا في روما يزور معالمها وآثارها ويقيم أواصر الصداقة مع كبار شخصياتها من رجالات الكنيسة، غادر يوحنا سولاقا والوفد المرافق له ممن عينهم البابا، تلبية لطلب يوحنا سولاقا، لمساعدته بصفة ممثل الكرسي الرسولي بين الكلدان في الموصل ومعاونين آخرين. بدأت رحلة العودة في تموز سنة 1553 عن طريق البر لتنتهي بيوحنا سولاقا ومرافقيه، في تشرين الثاني سنة 1553،إلى آمد حيث يقرر يوحنا سولاقا أن يجعلها مقرا لكرسيّه البطريركي. وقد استقبل بحفاوة بالغة وبهجة عارمة من قبل الأساقفة والشعب.ما أن انقضت أفراح الأيام الأولى، حتى بدأ يوحنا سولاقا عمله الجاد في تنظيم شؤون الكنيسة وسد حاجة الأبرشيات لرؤساء أساقفة أختارهم يوحنا سولاقا من بين الذين عرف فيهم الإيمان القويم والروح الإنجيلي والحكمة والإدارة، فرفع عدد رؤساء الأساقفة في الكنيسة ثمانية من ضمنهم الأساقفة الثلاثة الذين انتخبوه بطريركا على الكنيسة.

ثم عمل يوحنا سولاقا مع مساعديه الموفدين معه من روما على تثقيف الشعب وتنقية عقيدته من التعاليم التي كانت سائدة في كنيسة المشرق وقتذاك، كما قام بإعادة تحديد أسرار الكنيسة السبعة وتنوير الشعب بشأن بعض المعتقدات وحول معنى رئاسة الحبر الروماني.ثم اتجه يوحنا سولاقا إلى السلطة المدنية، حيث سعى إلى لقاء السلطان العثماني سليمان الأول فأوضح له آخر مجريات الأحداث في الكنيسة وطلب حماية السلطات المحلية العليا. وقد حصل يوحنا سولاقا على أمر من السلطان موجّه إلى جميع الأمراء والحكّام الموجودين في البلاد بألاّ يلحقوا الأذى بالطائفة الجديدة وأن يعاملوا المنتسبين إليها باحترام.

إلاّ أن كل ذلك لم يمر دون مشاكل، إذ أن ما حدث في الكنيسة أزعج شمعون السادس برماما، الذي كان ينظر إلى ما جرى في الكنيسة بكثير من الهلع والغضب، سيّما وأن كثيرين هم الذين أقدموا على الانتماء إلى الكنيسة الناشئة، سواء من الشعب أو الرؤساء، كما شقّه أن هذه الكنيسة حظيت بدعم وتأييد السلطات المدنية أيضا.

وفي إطار سعيه للقضاء على هذه الحركة، رأى برماما أن يوجه سهام غضبه ونقمته إلى البطريرك يوحنا سولاقا، فشرع يخطط ويدبر المكائد للقضاء عليه، فاستغل علاقته بباشا العمادية حسين بك الكردي، حيث يقع دير الربّان هرمز، مقر الكرسي البطريركي لعائلة "بيت أبونا"، ضمن السلطة الإدارية لولاية باشا العمادية. فقدّم برماما الرشوة لحسين بك الكردي واستماله إلى جانبه في مسألة محاربة البطريرك يوحنا سولاقا. وقد لبّى الباشا رغبة برماما بأن قام باستقدام البطريرك يوحنا سولاقا بحجة دعوته لزيارة الكلدان في منطقة العمادية. وما أن وصل البطريرك يوحنا سولاقا، حتى ألقى جنود الباشا القبض عليه وألقوه في السجن ليلاقي أشد العذابات الجسدية والنفسية مدة أربعة أشهر، ثم ألقوه في بئر مدة أربيعين يوما. ولمّا عجز الجنود عن ثني يوحنا سولاقا عن معتقده ودفعه للتنازل عن البطريركية، أمرهم الباشا بأخذه إلى الجبال المنعزلة القريبة وخنقه سرّا هناك. فلقي هذا البطريرك العظيم حتفه في 12 كانون الثاني سنة 1555، وراح شهيدا لأجل إيمانه ولأجل حركة إنقاذ الكنيسة من التدهور الذي كانت فيه.

 الفصل الثالث - بعد يوحنا سولاقا: ثلاث سلاسل بطريركية كلدانية

لم تنته الحركة الوحدوية التي بدأها يوحنا سولاقا بموته، بل تواصلت إلى يومنا هذا، حيث تواصل الكنيسة الكلدانية مسيرتها. إلاّ أن هذه المسيرة لم تتم بخط مستقيم بلا تعرّج وبلا صعوبات ونكسات، بل أنها واجهت الكثير من المشاكل، حتى أننا نلحظ نشوء أكثر من سلسلة بطريركية كلدانية، كما هو موضح بالعرض الموجز أدناه:

أولا: سلالة خلفاء يوحنا سولاقا

واصلت الكنيسة الكلدانية حديثة العهد مسيرتها بعد مقتل يوحنا سولاقا. وقد رافقت هذه المسيرة الكثير من المصاعب والاضطهاد نتيجة مواقف النساطرة منها، خاصة وأنهم كثيرا ما استعانوا بالسلطات المدنية لفرض سيطرتهم على كنيسة المشرق كلها، ولصد مسيرة الاتحاد مع الكرسي الرسولي. وفيما يلي جدول ببطاركة الكنيسة الكلدانية الذين خلفوا يوحنا سولاقا:

البطريرك

مدة رئاسته

محل إقامته

مختصر ظروف فترته

عبديشوع الرابع مارون

1555-1567

سعرد

من الجزيرة –تركيا لم يبق في آمد كخلفه يوحنا سولاقا، بل نقل كرسيه إلى سعرد بعيدا عن مناوئيه. فقد واجه اضطهادا شديدا من النساطرة والأكراد الذين كانوا يتعاونون معهم، كما واجه الصعوبات من البرتغاليين الوافدين إلى الهند محاولين محو الطابع المشرقي للكلدان الملّبار بفرض الطقس اللاتيني على المشارقة هناك.

الكرسي شاغر

1567-1578

-

لم يستطع الأساقفة الكلدان عقد مجمع لانتخاب بطريرك لهم حتى سنة 1578، وذلك بسبب الصعوبات التي واجهوها من النساطرة الذين كانوا يستعينون بالسلطات العثمانية لفرض سيطرتهم على كنيسة المشرق كلها ولصد مسيرة الاتحاد ومنع انتخاب بطريرك جديدا. في هذه الفترة قام أكبر المطارنة سنّا، وهو يهبالاها مطران الجزيرة، بتدبير شؤون الكرسي البطريركي.

يهبالاها الرابع

1578-1580

سعرد

انتخب بطريركا بعد أن قام بتدبير شؤون الكرسي البطريركي مدة 12 سنة تقريبا، إلاّ أن رئاسته للكنيسة لم تدم طويلا بسبب كبر سنّه.

شمعون الثامن دنحا

1580-1600

سلماس

اتخذ من دير مار يوحنا، القريب من سلماس ببلاد فارس، مقرا له بعيدا عن الفتن التي كان النساطرة يثيرونها ضده بالتعاون مع السلطات العثمانية.

شمعون التاسع

1600-1638

سلماس

مع انتخابه دخلت عادة الوراثة إلى الكنيسة الكلدانية، حيث طُبِّقت الطريقة الوراثية في انتخابه بطريركا.

شمعون العاشر

1638-1656

أورميا

كانت الصعوبات التي واجهتها الكنيسة الكلدانية من الشدة، حتى أنه اضطر إلى نقل كرسيه إلى أورميا، كما أنه لم يستطع إرسال صورة إيمانه إلاّ سنه 1653.

شمعون الحادي عشر يوحنا

1656-1662

أورميا

كانت الصعوبات التي تواجهها الكنيسة الكلدانية في زمانه شديدة جدا، حتى أن البابا يكتب له رسالة في 1661 يؤكد له دعمه للكنيسة الكلدانية من خلال مختلف المساعدات من قبل المطرانية اللاتينية في أصفهان للكلدان الكاثوليك في إيران.

شمعون الثاني عشر دنحا

1662-1700

قوجانس

أرسل رسالة إلى البابا كليمنتوس يطلب منه ترك الكتب الطقسية الخاصة بالكنيسة الكلدانية دون تبديل. في زمانه، كانت الصعوبات التي تواجهها الكنيسة الكلدانية شديدة جدا، الأمر الذي أصاب الوحدة التصدع، حتى بلغ الأمر عند شمعون الثالث عشر أن انقلب ثانية إلى النسطرة ونقل كرسيه إلى قوجانس في جبال هيكاري بكردستان.

وبعد انقلاب شمعون الثالث عشر دنحا، يعود كسلالة بطريركية آثورية جديدة بالإضافة إلى السلالة المنحدرة من عائلة "بيت أبونا" التي انقرضت لاحقا. أما السلالة المنحدرة من البطريرك شمعون الثالث عشر دنحا، فهي التي تنحدر منها الكنيسة الآثورية بشقّيها اليوم.

ثانيا: سلالة بطاركة الكلدان في ديار بكر

بعد أن نقل خلفاء يوحنا سولاقا مقر إقامتهم من ديار بكر بعيدا عن مضايقات النساطرة، ارتبطت أبرشية ديار بكر، على صعيد الإدارة الكنسية بالبطريرك النسطوري المقيم في دير الربّان هرمزد بالقرب من ألقوش. ورغم ذلك، فقد كان لهذه الأبرشية الدور الأساس في تواصل حركة الوحدة مع الكنيسة الجامعة. فقد كان شعب ديار بكر ميّالا وبشدة إلى الوحدة مع روما، حتى أن مطرانهم يوسف حذا حذوهم فأظهر رغبته الواضحة بالوحدة مع روما، الأمر الذي دفع البطريرك النسطوري إيليا التاسع (1660-1700) إلى محاربته فاستحصل أمرا من السلطات المدنية لإلقاء القبض عليه وسجنه أكثر من مرة. بعد فترة السجون والتعذيب، سافر المطران يوسف إلى روما طلبا للعون والدعم، ثم عاد إلى ديار بكر واستطاع، سنة 1677، الحصول على فرمان من الباب العالي يعترف به بطريركا على ديار بكر وماردين مستقلا عن بطريرك الموصل. إلاّ أن روما رفضت تثبيت يوسف بطريركا جديدا، سيّما وأن هناك بطريركان مشرقيان آخران، أحدهما في دير الربّان هرمزد، والآخر في قوجانس بكردستان، كما أنها رأت أن يوسف لم يتم انتخابه بشكل قانوني. إلاّ أن افتقار الكلدان إلى رئيس لهم جعل مجمع انتشار الإيمان يأخذ بنظر الاعتبار الهتاف الذي أصدره الشعب في ديار بكر تهليلا بالفرمان العثماني الذي أعلن يوسف بطريركا، معتبرا أن هذا الهتاف دليل عن رغبة الشعب به بطريركا، مما جعل روما توافق على طلب يوسف ويعلنه بطريرك الكلدان بإسم يوسف الأول وذلك سنة 1681. وقد استمرت رئاسة يوسف الأول للكنيسة الكلدانية حتى وفاته سنة 1691... فنشأت بذلك سلالة بطريركية كلدانية جديدة أدناه موجزها من بعد يوسف الأول:

البطريرك

مدة رئاسته

مختصر ظروف فترته

يوسف الثاني آل معروف

1696-1712

من تلكيف قام بإصلاحات في الكتب الطقسية واستحدث أعيادا لم تكن موجودة في الطقس المشرقي، كما وضع كتبا عديدة في التعليم المسيحي كانت مرجعا في زمانه. وقد توفي هذا البطريرك الذي عُرف بنشاطه الواسع بعد إصابته بالطاعون الذي تفشّى في منطقة ديار بكر والمناطق المحيطة بها.

يوسف الثالث

1713-1757

تعرّض لمضايقات شديدة من قبل البطريرك النسطوري المقيم في دير الربّان هرمزد، خاصة وأن الكثير من النساطرة في ديار بكر قد انضموا إلى الوحدة. وقد تفاقمت هذه الصعوبات، حتى أن البابا كتب للبطريرك يوسف الثالث مواسيا ومشجّعا. ورغم كل هذه الصعوبات، فقد شهدت حركة الوحدة خلال فترة رئاسته انتشارا واسعا، حتى أن البطريرك تزوّد بفرمان وقام، سنة 1728، بزيارة رسمية للموصل تفقّد خلالها أحوال الكلدان هناك واستطاع خلال فترة مكوثه فيها ضم نحو 3000 شخص إلى الكنيسة الكلدانية.

إلاّ أن هذا الأمر جعل بطريرك النساطرة ينقم عليه، فدبّر له مكيدة لإلقاء القبض عليه وسجنه حال عودته إلى ديار بكر. ولم يخرج البطريرك يوسف الثالث من سجنه إلاّ بعد أن استحصل وكيل الكلدان في العاصمة العثمانية فرمانا يقضي باتفاق بين السلطتين المتنافستين، فتكون الموصل وحلب، بموجب هذا الاتفاق، للنساطرة، أما ديار بكر وماردين فتكون للكلدان.

وبعد سفره إلى روما وأوربا لجمع المال اللازم لإصلاح الكنيسة، عاد يوسف الثالث إلى ديار بكر ينظم شؤون الكنيسة حتى توفي سنة 1757.

يوسف الرابع

1759-1781

وهو لعازر هندي، وكان أحد تلاميذ كلية مجمع انتشار الإيمان. انتخب بطريركا للكنيسة الكلدانية بعد وفاة يوسف الثالث، إلاّ أن تثبيته بطريركا بإسم يوسف الرابع، لم يُرسَل من روما إلاّ في آذار 1759.

خلال فترة رئاسته، ثبّت سلطته على كلدان الموصل وبغداد واضعا بذلك حدّا لتدخلات مطران بغداد اللاتيني. في سنة 1761، سافر إلى روما وبقي فيها مدة سنتين قام خلالهما بطبع كتاب القداس (ليتورجيا الرسل) بعد أن أدخل عليه إضافات لاتينية وخفف منه بعض الصلوات الشرقية الأصيلة، كما قام أيضا بطبع كتب قراءات الإنجيل والرسائل الطقسية.

وبعد عودته من روما، مكث بطريركا حتى استقال سنة 1781 وعاد إلى روما واعتزل فيها، بعد أن عهد بإدارة البطريركية إلى ابن أخيه أوغسطين هندي.

بعد أن استقال يوسف الرابع، قام ابن أخيه أوغسطين هندي بإدارة أبرشية ديار بكر بصفة كاهن أولا، ثم بصفة مطران منذ سنة 1804. وقد أرسل أوغسطين إلى روما طلب تثبيته بطريركا على الكلدان في ديار بكر، خلفا لعمه يوسف الرابع. إلاّ أن روما، وبعد خبرة أكثر من قرن من محاولات التوفيق بين فئات كنيسة المشرق المتنازعة فيما بينها، رأت أن الفرامين التوفيقية ليست بالحل الناجح. وبدلا من ذلك رأت أن الحل يكمن في محاولة جمع هذه الفئات تحت رئاسة بطريركية واحدة، خاصة وأنها لمست رغبة البطريركين النسطوريين في قوجانس وفي ألقوش في الوحدة مع الكرسي الرسولي، كما أن يوحنا هرمزد، مطران الموصل النسطوري، كان قد أعلن اعتناقه المذهب الكاثوليكي وطلب هو أيضا من روما إعلانه بطريركا للكنيسة الكلدانية المتحدة مع الكنيسة الجامعة.

لذا، لم تمنح روما لقب بطريرك الكلدان لأوغسطين هندي بل اكتفت بمنحه لقب القاصد الرسولي لمنطقة بطريركية بابل سنة 1817. وبعد أن توفي أوغسطين هندي، لم يطالب من خلفه مطرانا على ديار بكر بالبطريركية، فانتهت بطريركية آمد الكلدانية التي بقيت متحدة بروما حوالي 146 سنة.

ثالثا: سلالة بطاركة بابل على الكلدان في الموصل

ما أن توفي البطريرك النسطوري إيليا الحادي عشر دنحا (1722-1778) حتى ظهر خلاف حاد بين  ابني أخويه، إيشوعياب ويوحنا هرمزد، حول رئاسة الكنيسة. وسرعان ما أعلن إيشوعياب انضمامه إلى الوحدة مع روما مما قوّى موقفه واحتل الكرسي البطريركي متخذا اسم إيليا الثاني عشر إيشوعياب (1778-1804)، في حين أن الكرسي البطريركي كان يعود شرعا ليوحنا هرمزد لأن إيليا الحادي عشر دنحا كان قد نزع لقب ناطور الكرسي وحق الخلافة عن إيشوعياب ومنحهما ليوحنا هرمزد.

إلاّ أن خطوة الوحدة مع روما التي أخذها إيليا الثاني عشر إيشوعياب لم تكن صادقة. فهو، ما أن حصل على الفرمان السلطاني الذي يعلنه بطريركا، حتى تراجع عن قرار الوحدة وعاد إلى مذهبه القديم، فما كان من وجهاء الموصل، وبدعم من المرسلين الغربيين، إلاّ أن اجتمعوا وأقالوا إيليا الثاني عشر إيشوعياب وانتخبوا بالإجماع شمعون مطران ماردين بطريركا لهم. لكن شمعون رفض تولي هذه المسؤولية الجسيمة، فأعيدت عملية الانتخاب لتصيب هذه المرة يوحنا هرمزد الذي كان قد اعتنق المذهب الكاثوليكي قبل وفاة عمه إيليا الحادي عشر دنحا.

وبعد جلوسه على الكرسي البطريركي، وطيلة عشر سنوات، قام يوحنا هرمزد بنشاط رسولي واسع لنشر الكثلكة من خلال مواعظه وتعليمه، وبالتنسيق مع المرسلين الغربيين. ولما أرسل يوحنا هرمزد صورة إيمانه إلى روما، أراد مجمع انتشار الإيمان أن يمنحه بطريركية ديار بكر، بعد أن استقال يوسف الرابع سنة 1781. إلاّ أن الكرسي الرسولي ، وبالنظر إلى أن أوغسطين هندي مطران ديار بكر يطالب أيضا بالبطريركية الكلدانية، وبالرغم من قبول الكرسي الرسولي بصورة الإيمان التي أرسلها يوحنا هرمزد، فإنه لم يرض بانتخاب جرى بدون علمه بل بقوة السلطة الحاكمة والمتنفذين من علمانيي الموصل. لذا رفض الكرسي الرسولي أن يثبّت يوحنا هرمزد بطريركا، وقبل فقط بتعيينه رئيسا لأساقفة الموصل ومدبّرا للبطريركية البابلية مع تخويله بجميع السلطات الضرورية ما عدا اللقب البطريركي والشارات المتعلقة به، وذلك سنة 1783، في حين بقي أوغسطين هندي يدير شؤون الكلدان في ديار بكر... وظل كلاهما يطمحان في رئاسة البطريركية الكلدانية.

في هذه الأثناء، لم يكن إيليا الثاني عشر إيشوعياب قد تخلى عن طموحه، فذهب إلى العمادية واحتمى بإسماعيل باشا الذي منحه إدارة الأبرشيات النسطورية الجبلية. ولأجل ضمان استمرار الوراثة في عائلته، رسم أحد أبناء أخيه مطرانا، وهو حنّانيشوع. ثم شرع يناوئ يوحنا هرمزد بمساعدة إسماعيل باشا، حتى نجح في زجّه في السجن، حيث تعرض يوحنا هرمزد للجلد لعدّة مرّات هناك. ولأجل كسب ود المرسلين الغربيين والكرسي الرسولي، أعلن إيليا الثاني عشر إيشوعياب، مع حنّانشيوع ابن أخيه، نبذه للمذهب النسطوري واعتناقه المذهب الكاثوليكي. إلاّ أن المرسلين لم يثقوا بهما وأطلعوا مجمع الإيمان بذلك، فلم تقبل روما بهما. ولمّا توفي إيليا الثاني عشر إيشوعياب سنة 1804، وحنّانيشوع سنة 1813، لم يكن في عائلة "بيت أبونا" ذكر ليستلم البطريركية النسطورية سوى يوحنا هرمزد الذي كان كاثوليكي المذهب... لذا انتهت الوراثة في عائلة "بيت أبونا"، ولم يبق بطريركا نسطوريا غير الذي كان أسلافه قد اتخذوا من قوجانس بكردستان مقرا لإقامتهم.

أما يوحنا هرمزد، فبعد أن خرج من السجن الذي كان إيليا الثاني عشر إيشوعياب قد زجّه فيه، واصل عمله ونشاطه المعهود. ولمّا توفي أوغسطين هندي سنة 1828، لم يطالب من خلفه على أبرشية ديار بكر بالبطريركية، كما أسلفنا، الأمر الذي وضع حدّا لكل ازدواجية في البطريركية الكلدانية. وبعد تمهّل قصير، منحت روما يوحنا هرمزد لقب "بطريرك بابل على الكلدان" والباليوم، درع الرئاسة، في حفل في بغداد سنة 1834، وكان عمره آنذاك 74 سنة.

ولأجل القضاء على عادة التوريث، ولأجل وقاية الكنيسة الكلدانية منها، سيّما وأن البطريرك يوحنا هرمزد ينحدر من عائلة "بيت أبونا"، عيّن الكرسي الرسولي المطران نيقولاس زيغا معاونا بطريركيا مع حق الخلافة. وفي 13 آب سنة 1838، توفي البطريرك يوحنا هرمزد، الذي كان قد اتخذ من الموصل مقرا له، بعد أن رأس الكنيسة الكلدانية لأربعة سنوات تلت سنوات طوال من العمل الرسولي لنشر الكثلكة وتدعيمها في كنيسة المشرق.

ومن بعد يوحنا هرمزد، توالى البطاركة الكلدان إلى يومنا هذا، كما هو مبيّن في الجدول أدناه:

البطريرك

مدة رئاسته

مختصر ظروف فترته

نيقولاس زيغا

1838-1848

كان أحد تلاميذ جامعة بروبغندا، وكان مطران سلماس حين عيّنه الكرسي الرسولي معاونا بطريركيا مع حق الخلافة. تولى رئاسة الكنيسة الكلدانية بعد وفاة البطريرك يوحنا هرمزد، فواجه الصعوبات الكثير، حتى استقال سنة 1848 وسافر إلى بلاد العجم وتوفي فيها سنة 1855.

يوسف السادس أودو

1848-1878

من القوش مواليد 1793انتخب خلفا لنيقولاس زيغا. في عهده انضم الكثير من النساطرة إلى الكنيسة الكاثوليكية. أسس معهد شمعون الصفا الكهنوتي في الموصل سنة 1866 بهمّة الراهب اللعازري بطرس مازجي، كلداني الأصل. دعم يوسف السادس أودو، أيضا، رهبان دير الربّان هرمزد وساعدهم في بناء دير السيّدة سنة 1859. حضر المجمع الفاتيكاني الأول، وكان له موقف معارض لموقف روما فيما يخص ملّبار الهند، حيث كان هو يحاول ضمهم إلى سلطته، لكن تدخّل روما منعه من ذلك.

إيليا الثالث عشر عبو اليونان

1879-1894

من الموصل مواليد 1840 اتسم بشخصية وديعة ومُحِبّة، فساد في عهده السلام في الكنيسة الكلدانية، وسعى بكل جهده إلى التقريب بينه وبين البطريرك النسطوري في قوجانس، وكاد أن يضمّه إلى الكثلكة لولا تدخّل البروتستنت. في أيامه أنشأ الآباء الدومنيكان دير مار يوحنا الحبيب الكهنوتي سنة 1882 في الموصل. في عهده استقبلت الطغراء وهي الوثيقة العثمانية المختومة بالذهب بتوقبع ختم السلطان عبد الحميد الثاني اعترافاً بالطائفة الكلدانية سنة 1886.

عبديشوع الخامس خيّاط

1894-1899

من الموصل مواليد 1828 درس في جامعة بروبغندا، وكان عالما في الآداب الآرامية، كما عُرف كعلاّمة وهبه الله ذكاءً حادّا ومقدرة فائقة، حتى أن البابا منحة لقب "كوكب الشرق". في عهده نُشر العديد من الكتب الطقسية في مطبعة الآباء الدومنيكان في الموصل.

يوسف عمانوئيل الثاني توما

1900-1947

من القوش مواليد 1852 درس في مدرسة الآباء اليسوعيين في لبنان، وعمل بعد رسامته الكهنوتية مديرا لمعهد شمعون الصفا الكهنوتي حتى رسامته الأسقفية سنة 1892. عُرف بكثرة تعبّده للعذراء مريم، وفي عهده طبعت عشرات الكتب الكلدانية والعلمية. بذل مساعٍ كثيرة لترجيع النساطرة، وعلى يده اعتنقت الإيمان الكاثوليكي قرى كثيرة وعدد كبير من الكهنة والأساقفة، حتى من إيران وجبال هيكاري. واجه نكسة شديدة خلال الحرب العالمية  الأولى بسبب اضطهاد الأتراك، حيث أُزيلت أبرشيات سعرد وديار بكر والجزيرة ووان، كما ذُبح بعض أساقفتها.

يوسف السابع غنيمة

1947-1958

من الموصل مواليد 1881 عمل هو أيضا، خلال سنوات كهنوته، مديرا للمعهد الكهنوتي البطريركي حتى رُسم أسقفا وعُين معاونا بطريركيا سنة 1925. عُرف بتقواه وعلمه وعبادته للعذراء. نقل الكرسي البطريركي إلى بغداد بعد أن لاحظ الهجرة الكبيرة التي حدثت إليها من قرى شمال العراق. في عهده بنيت عدد من الكنائس والكثير من المدارس.

بولس الثاني شيخو

1958-1989

من القوش مواليد 1906درس في معهد شمعون الصفا الكهنوتي في الموصل وثم في المعهد الشرقي في روما، وبعد عودته من روما استلم إدارة المعهد الكهنوتي. في سنة 1947 أصبح أول أسقف لأبرشية عقرة بعد تجديدها، ثم انتخب أسقفا لحلب سنة 1957، لكنه لم يبق فيها أكثر سنة حيث انتخب بطريركا للكنيسة الكلدانية سنة 1958.

رأس الكنيسة الكلدانية في زمن شهدت فيه الساحة العراقية ثورات وانقلابات متعاقبة في بغداد وثورات الأكراد في الشمال. كما شهدت رئاسته نزوحا شديدا من قرى الشمال إلى بغداد، فعمل على بناء الكنائس الكثيرة فيها لاستقبال النازجين إليها، كما أنه نقل المعهد الكهنوتي إلى بغداد وبنى له مقرا واسعا في منطقة الدورة. شهدت فترة رئاسته أيضا الحرب العراقية الإيرانية وما جرّته على البلد من صعوبات اقتصادية واجتماعية.

روفائيل الأول بيداويد

1989-2003

من زاخو بلوايا. مواليد 1922استلم رئاسة الكنيسة الكلدانية في بلد كانت الحرب مع إيران قد أنهكته وسرعان ما دخل حرب الكويت التي جرّت على البلد حصارا اقتصاديا سلّط ضغوطا شديدة على الشعب، فشهدت الكنيسة هجرة واسعة بين العوائل، وخاصة بين الشباب. لذا اهتم البطريرك روفائيل الأول بيداويد بالمهجر وعُرف بكثرة أسفاره وزياراته للكلدان في أنحاء العالم، سيّما في أميركا وأوربا. قاد الحوار المسكوني مع كنيسة المشرق الآثورية لسنوات، وكان أهم ثمار هذا الحوار صدور البيان الكرستولوجي المشترك سنة 1994. توفي سنة 2003 في لبنان بعد أن صارع المرض لأشهر طويلة.

 

بعد وفاة مثلث الرحمة مار روفائيل الأول بيداويد، أنتخب غبطة أبينا البطريرك مار عمانوئيل الثالث دلّي الجالس سعيدا على الكرسي البطريركي منذ 21 كانون الأول 2003، وهومن مواليد تلكيف 1927وقد استلم رئاسة الكنيسة، والبلد- العراق- يمر بمنعطف خطير تتجاذبه العديد من القوى السياسية والتيارات الفكرية والحركات القومية، وتواجه الكنيسة الكلدانية مشكلة تحديد الهوية واضحة وسط هذا التنوع متعدد الأطياف.و في عام 2007 منح قداسة البابا بندكتوس السادس عشر القبعة الكاردينالية لغبطته ليكون اول بطريرك كلداني يصبح كاردينالاً في الكنيسة الكاثوليكية .

 

الروزنامة الشهرية

الأحد

 8  نيسان    2012       

أحد الشعانين– القداس الاحتفالي صباحاً  الساعة 8.30 في كنيسة يسوع الملك -المصدار

                   القداس الاحتفالي  مساءً الساعة 5.30  في كنيسة قلب يسوع   (اللويبدة)

الأربعاء

 11 نيسان   2012

رتبة توبة و مصالحة مع الرب و مع بعضنا البعض الساعة الخامسة مساءً في اللويبدة

الخميس

12  نيسان   2012

خميس الفصح  - عيد الكهنة ورتبة غسل أرجل التلاميذ الساعة 5.30 مساءً  في اللويبدة

الجمعة     

13  نيسان   2012

الجمعة العظيمة – رتبة ألام السيد المسيح  الساعة الخامسة مساءً في اللويبدة                   

السبت

14  نيسان   2012

سبت النور– القداس الاحتفالي بعيد القيامة ليلاً الساعة 10 دير اليسوعيين جبل الحسين

الأحد

15  نيسان   2012

أحد القيامة– القداس الإحتفالي بعيد القيامة صباحاً الساعة 10,30 في اللويبدة

 

لماذا إختار يسوع إثنى عشر تلميذاً؟!

أولاً: "وَأَمَّا أَسْمَاءُ الاثْنَيْ عَشَرَ رَسُولاً فَهِيَ هذِهِ: اَلأَوَّلُ سِمْعَانُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ بُطْرُسُ، وَأَنْدَرَاوُسُ أَخُوهُ. يَعْقُوبُ بْنُ زَبْدِي، وَيُوحَنَّا أَخُوهُ. فِيلُبُّسُ، وَبَرْثُولَمَاوُسُ. تُومَا، وَمَتَّى الْعَشَّارُ. يَعْقُوبُ بْنُ حَلْفَى، وَلَبَّاوُسُ الْمُلَقَّبُ تَدَّاوُسَ (يهوذا). سِمْعَانُ الْقَانَوِيُّ، وَيَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيُّ الَّذِي أَسْلَمَهُ. (إنجيل متى 10: 2-4).  وبعد خيانة يهوذا الإسخريوطي، تم إحلال متياس الرسول محله، حسبما ذُكِرَ في (سفر أعمال الرسل 1: 26).

أما حول موضوع اختيار العدد 12، فهناك العديد من الآراء في هذا الأمر..  فيوجد رأي يقول أنه هذا مثال للأربع زوايا الأرض (شمال – جنوب – شرق – غرب) مضروباً في 3 (رمز الثالوث الأقدس)، أي 4×3=12

ويخبرنا علم النفس أن هذا الرقم هو رقم جيد، وقد وجد هؤلاء الذين يقودون جماعات أن رقم 12 هو عدد جيد لفصول مدارس الأحد ودراسات الكتاب المقدس،  وهو عدد كافي لتوفير آراء مختلفة ومتنوعة، وفي نفس الوقت صغير ليتم التعارف الجيد بين بعضهم البعض.. أما الرأي الغالب فهو أن رقم 12 هو رقم الكمال في التقسيم الحكومي - في العهد القديم نجد شعب إسرائيل مقسماً إلى 12 سبط، بهم 12 رئيس. - و الإثنى عشر تلميذاً سيصبحون نواة لإسرائيل العهد الجديد: 12 كرسي في الدينونة (مت28:19) – 12 بوابة من أحجار كريمة – إثني عشر ثمرة في أورشليم الجديدة (رؤ12:21؛ 2:22). - ونظراً لدراية التلاميذ بأهمية هذا الأمر، سارعوا بإحلال يهوذا الخائن بتلميذ آخر. ومن الجدير بالذكر أن الإثنى عشر كانوا يكملون بعضهم البعض: - كلهم عدا واحد قابلوا السيد المسيح في العلية (مع ملاحظة أن توما كان هو الغائب). - كلهم حل عليهم الروح القدس يوم الخمسين وقاموا بعمل آيات وعجائب. - في وقت قتل إسطفانوس، بقي التلاميذ في أورشليم، في حين أن باقي المؤمنون تفرّقوا.. - تشاوروا معاً حول قبول شاول الطرسوسي (بولس الرسول) معهم. - أسّسوا أول مجمع كنسي مع آباء الكنيسة الأول.  مصدر المقال: موقع وقد قال السيد المسيح لرسله الاثنى عشر: "متى جلس ابن الانسان على كرسي مجده، تجلسون أنتم أيضاً على اثنى عشر كرسياً، تدينون أسباط إسرائيل اثنى عشر" (مت28:19). فمن الواضح أن السيد المسيح قد اختار تلاميذه بنفس عدد اسباط اسرائيل أو أبناء يعقوب الاثنى عشر.  فمن الإثنى عشر سبطاً تكونت كنيسة العهد القديم في إطار محدود، وبالإثنى عشر رسولاً تكونت كنيسة العهد الجديد في المسكونة كلها. وهناك العديد من النقاط الأخرى في هذا الأمر:

أولاً: من الملاحظ أن السنة تتكون من إثنى عشر شهراً، أي أن الزمان يكمل بالنسبة للأرض بالإثنى عشر شهراً.  مثل قول الرب لإبراهيم حينما ظهر له عند بلوطات ممرا: "إني أرجع إليك نحو زمان الحياة، ويكون لسارة امرأتك ابن" (تك10:18).  والمقصود هنا أنها سوف يكون لها ابن في نفس الموعد من العام التالي.

وفي العام الواحد أي في إثنى عشر شهراً تكمل الأرض دورة كاملة حول الشمس.  تكمل كل فصول السنة بكل ما فيها من متغيرات.  وكمال العام بإثنى عشر شهرا يرمز إلى كمال الزمان مثلما قال السيد المسيح: "قد كمل الزمان، واقترب ملكوت الله.  فتوبوا وآمنوا بالإنجيل" (مر15:1).  حقاً، لقد أشرق شمس البر -ربنا يسوع المسيح- في ملء الزمان، حسب وعد الرب: "ولكم أيها المتقون اسمي تشرق شمس البر، والشفاء في أجنحتها" (ملا2:4).  لا توجد شمس لها أجنحة سوى ربنا يسوع المسيح، الذي بسط على خشبة الصليب يديه الممدودتنين لاحتضان كل التائبين.

ثانياً: نلاحظ أيضاً أن النهار يتكون من اثنتى عشرة ساعة، كما قال السيد المسيح: "أليست ساعات النهار اثنتى عشرة، إن كان أحد يمشي في النهار لا يعثر، لأنه ينظر نور هذا العالم، ولكن إن كان أحد يمشي في الليل يعثر لأن النور ليس فيه" (يو10،9:11).  إن السيد المسيح هو نور العالم..  والبشارة بالإنجيل هي نور العالم، ولهذا فقد حمل الاثنا عشر تلميذا هذا النور، ونشروه في المسكونة لإنارتها..

كانوا اثنى عشر ليحملوا أنوار ساعات النهار الإثنى عشر.  وكل منهم كانت ترمز إليه ساعة من ساعات النهار.  كقول الرب عن يوحنا المعمدان: "كان هو السراج الموقد المُنير، وأنت أردتم أن تبتهجوا بنوره ساعة" (يو35:5).

ثالثاً: رقم 12 هو رقم ثلاثة مضروباً في أربعة (3×4=12):

ورقم 3 هو إشارة إلى الثالوث القدوس وعمله في خلاص البشرية.

أما رقم 4 فيشير إلى أربع اتجاهات المسكونة، أو يشير إلى الإنجيل أي البشائر الأربعة.

وهكذا يكون رقم 12 هو إشارة إلى عمل الثالوث القدوس في خلاص البشرية، في أرجاء المسكونة من مشارق الشمس إلى مغاربها ومن الشمال إلى الجنوب.

لهذا قال السيد المسيح لتلاميذه: "اذهبوا إلى العالم أجمع، واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها" (مر15:16)؛ "وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلموهم أن يحفظوا كل ما أصيتكم به" (مت20،19:28).  وبالفعل قيل عن الآباء الرسل: "في كل الأرض خرج منطقهم، وإلى أقصى المسكونة بلغت أقوالهم" (مز4:19).

ومن تاريخ الشعب القديم عند خروج بني إسرائيل من أرض مصر، وفي بداية ارتحالهم في برية سيناء، بعد عبورهم البحر الأحمر، أنهم "جاءوا إلى إيليم وهناك اثنتا عشرة عين ماء وسبعين نخلة" (خر27:15)، وفي هذا إشارة واضحة إلى التلاميذ الاثنى عشر والرسل السبعين الذي عيَّنهم السيد المسيح نفسه. ومن الأمور الجميلة أن الكنيسة القبطية تحتفل بعيد الآباء الرسل يوم 12 من الشهر السابع من السنة الميلادية

رابعا: في حديث السيد المسيح عن جيوش الملائكة قال لبطرس: "أتظن أني لا أستطيع أن أطلب إلى أبي فيقدم لي أكثر من اثنى عشر جيشاً من الملائكة؟" (مت53:26)

خامساً: وفي سفر الرؤيا رأي القديس يوحنا اللاهوتي حول العرش في السماء أربعة وعشرين قسيساً في أيديهم مجامر وقيثارات، ويرفعون بخوراً أمام الله هو صلوات القديسين (رؤ8:5).  والملاحظ هنا أن رقم 24 هو ضعف رقم 12 لأن النهار على الأرض اثنتا عشر ساعة، أما في السماء فليس هناك نهار وليل، بل نهار دائم يرمز إليه رقم 24 (رؤ25:21).

سادسا: المئة وأربعة وأربعون ألفاً 144000 البتوليون غير الدنسين (رؤ4،3:14)، الذين ظهروا في المشهد السماوي يتبعون الحمل (المسيح) أينما ذهب، هؤلاء هو 12×12=144 مضاعفة ألف مرة.  فهؤلاء عاشوا حياة منيرة غير دنسة (12 ساعة في نور النهار)، وما فيها من نور هو بحسب الإيمان الرسولي (×12 رسول)، ويصعب حصر عددهم لكثرتهم (ألوف).  ولعل هذا يذكرنا بتوبة أهل نينوى الذين قال عنهم الله: أنهم إثنتا عشرة ربوة من الناس أي مائة وعشرون ألفاً.  وهو رقم 12×1000×10، ويرمزون إلى الذين يحبون حياة النور بالتوبة في أفواج يصعب حصرها (عشرات ألوف).

وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال التالي:

هل دبَّر الله أن يكون النهار اثنتى عشرة ساعة، والسنة اثنى عشر شهراً، لكي يختار اثنى عشر تلميذاً؟ أم اختار 12 تلميذ لأن النهار 12 ساعة، والسنة 12 شهر؟!

وللإجابة على ذلك نقول: إن المعنى الأساسي للرقم 12 هو الإشارة إلى الثالوث القدوس، وفي عمله من أجل خلاص البشرية في أربعة أرجاء المسكونة.  وعلى هذا الأساس يأتي ترتيب باقي الأمور.

حقاً يا رب، ما أعجب تدابيرك!  كلها بحكمة صنعت، وما أبعد أحكامك عن الفحص وطرقك عن الاستقصاء..!  وإننا فقط نقف لنتأمل ونتفهم ونتعجب ويبقى أمامنا الكثير لنعرفه عنك يا إلهنا القدوس.


آذار - March
العدد (97)

 المنديل الملفوف

لماذا إهتم السيد المسيح بعد قيامته بلف المنديل بعناية 

إهتم السيد المسيح بعد قيامته بلف المنديل بعناية ولم يضعه هكذا بدون لف مع الأكفان؟  

+    لماذا اعطى الكتاب المقدس كل هذه الأهمية للمنديل الملفوف وأفرد له آية كاملة من انجيل معلمنا يوحنا البشير؟                                                    

+    لنعرف هذا، فلنرجع الى وصف الكتاب المقدس للحدث:

 

'فخرج بطرس و التلميذ الاخر و اتيا الى القبر، و كان الاثنان يركضان معا فسبق التلميذ الاخر بطرس و جاء اولا الى القبر، و انحنى فنظر الاكفان موضوعة و لكنه لم يدخل ، ثم جاء سمعان بطرس يتبعه و دخل القبر و نظر الاكفان موضوعة، و المنديل الذى كان على راسه ليس موضوعا مع الاكفان بل ملفوفا فى موضع وحده'. يو 20 : 3-7(

 

+    اذاً لماذا إهتم السيد المسيح بعد قيامته بلف المنديل بعناية ولم يضعه هكذا بدون لف مع الأكفان؟ و لماذا إهتم الكتاب بذكر هذا الموضوع بالتفصيل؟ لنعرف هذا يجب أن نرجع الى التقليد اليهودى فى ذلك الوقت.

+    المنديل الملفوف عند اليهود فى ذلك الوقت كان يحدد إحدى العلاقات بين السيد والصبى العامل عنده ... فعندما يجهز الصبى الطعام للسيد فانه ينتظر السيد حتى ينتهى من طعامه ... فاذا انتهى، يقوم السيد بمسح يديه وفمه ولحيته بالمنديل المخصص لذلك، ثم يترك المنديل على المائدة كيفما إتفق بدون أن يلفه،
فيقوم الخادم برفع الطعام و تنظيف المائدة لأن المنديل المتروك بدون لف يعنى أن السيد قد إنتهى من الأكل و لن يعود للمائدة مرة أخرى.

+    أما إذا غادر السيد المائدة لأى سبب و ترك المنديل ملفوفاً عليها، فان الصبى لن يقوم بلمسها على الإطلاق وسوف ينتظر متيقظاً ومترقباً لأن المنديل الملفوف يعنى

 أن السيد آتٍ مره ثانية وعليه إنتظاره

 

الروزنامة الشهرية

الجمعة

 2   أذار    2012       

رتبة درب الصليب . الساعة  4.30 مساءً في جبل اللويبدة و السادسة مساءً في الكاردنز

الإثنين

 19أذار     2012

عيد القديس يوسف البتول – شفيع الكنيسة الكاثوليكية والذكرى السنوية 18 للسيامة الكهنوتية لقدس الأب ريمون جوزيف موصللي النائب البطريركي للكلدان في الأردن

الأربعاء

21 أذار    2012

عيد الأم – بدء فصل الربيع .

 

لماذا إختار يسوع إثنى عشر تلميذاً؟!

أولاً: "وَأَمَّا أَسْمَاءُ الاثْنَيْ عَشَرَ رَسُولاً فَهِيَ هذِهِ: اَلأَوَّلُ سِمْعَانُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ بُطْرُسُ، وَأَنْدَرَاوُسُ أَخُوهُ. يَعْقُوبُ بْنُ زَبْدِي، وَيُوحَنَّا أَخُوهُ. فِيلُبُّسُ، وَبَرْثُولَمَاوُسُ. تُومَا، وَمَتَّى الْعَشَّارُ. يَعْقُوبُ بْنُ حَلْفَى، وَلَبَّاوُسُ الْمُلَقَّبُ تَدَّاوُسَ (يهوذا). سِمْعَانُ الْقَانَوِيُّ، وَيَهُوذَا الإِسْخَرْيُوطِيُّ الَّذِي أَسْلَمَهُ. (إنجيل متى 10: 2-4).  وبعد خيانة يهوذا الإسخريوطي، تم إحلال متياس الرسول محله، حسبما ذُكِرَ في (سفر أعمال الرسل 1: 26).

أما حول موضوع اختيار العدد 12، فهناك العديد من الآراء في هذا الأمر..  فيوجد رأي يقول أنه هذا مثال للأربع زوايا الأرض (شمال – جنوب – شرق – غرب) مضروباً في 3 (رمز الثالوث الأقدس)، أي 4×3=12

ويخبرنا علم النفس أن هذا الرقم هو رقم جيد، وقد وجد هؤلاء الذين يقودون جماعات أن رقم 12 هو عدد جيد لفصول مدارس الأحد ودراسات الكتاب المقدس،  وهو عدد كافي لتوفير آراء مختلفة ومتنوعة، وفي نفس الوقت صغير ليتم التعارف الجيد بين بعضهم البعض.. أما الرأي الغالب فهو أن رقم 12 هو رقم الكمال في التقسيم الحكومي - في العهد القديم نجد شعب إسرائيل مقسماً إلى 12 سبط، بهم 12 رئيس. - و الإثنى عشر تلميذاً سيصبحون نواة لإسرائيل العهد الجديد: 12 كرسي في الدينونة (مت28:19) – 12 بوابة من أحجار كريمة – إثني عشر ثمرة في أورشليم الجديدة (رؤ12:21؛ 2:22). - ونظراً لدراية التلاميذ بأهمية هذا الأمر، سارعوا بإحلال يهوذا الخائن بتلميذ آخر. ومن الجدير بالذكر أن الإثنى عشر كانوا يكملون بعضهم البعض: - كلهم عدا واحد قابلوا السيد المسيح في العلية (مع ملاحظة أن توما كان هو الغائب). - كلهم حل عليهم الروح القدس يوم الخمسين وقاموا بعمل آيات وعجائب. - في وقت قتل إسطفانوس، بقي التلاميذ في أورشليم، في حين أن باقي المؤمنون تفرّقوا.. - تشاوروا معاً حول قبول شاول الطرسوسي (بولس الرسول) معهم. - أسّسوا أول مجمع كنسي مع آباء الكنيسة الأول.  مصدر المقال: موقع وقد قال السيد المسيح لرسله الاثنى عشر: "متى جلس ابن الانسان على كرسي مجده، تجلسون أنتم أيضاً على اثنى عشر كرسياً، تدينون أسباط إسرائيل اثنى عشر" (مت28:19). فمن الواضح أن السيد المسيح قد اختار تلاميذه بنفس عدد اسباط اسرائيل أو أبناء يعقوب الاثنى عشر.  فمن الإثنى عشر سبطاً تكونت كنيسة العهد القديم في إطار محدود، وبالإثنى عشر رسولاً تكونت كنيسة العهد الجديد في المسكونة كلها. وهناك العديد من النقاط الأخرى في هذا الأمر:

أولاً: من الملاحظ أن السنة تتكون من إثنى عشر شهراً، أي أن الزمان يكمل بالنسبة للأرض بالإثنى عشر شهراً.  مثل قول الرب لإبراهيم حينما ظهر له عند بلوطات ممرا: "إني أرجع إليك نحو زمان الحياة، ويكون لسارة امرأتك ابن" (تك10:18).  والمقصود هنا أنها سوف يكون لها ابن في نفس الموعد من العام التالي.

وفي العام الواحد أي في إثنى عشر شهراً تكمل الأرض دورة كاملة حول الشمس.  تكمل كل فصول السنة بكل ما فيها من متغيرات.  وكمال العام بإثنى عشر شهرا يرمز إلى كمال الزمان مثلما قال السيد المسيح: "قد كمل الزمان، واقترب ملكوت الله.  فتوبوا وآمنوا بالإنجيل" (مر15:1).  حقاً، لقد أشرق شمس البر -ربنا يسوع المسيح- في ملء الزمان، حسب وعد الرب: "ولكم أيها المتقون اسمي تشرق شمس البر، والشفاء في أجنحتها" (ملا2:4).  لا توجد شمس لها أجنحة سوى ربنا يسوع المسيح، الذي بسط على خشبة الصليب يديه الممدودتنين لاحتضان كل التائبين.

ثانياً: نلاحظ أيضاً أن النهار يتكون من اثنتى عشرة ساعة، كما قال السيد المسيح: "أليست ساعات النهار اثنتى عشرة، إن كان أحد يمشي في النهار لا يعثر، لأنه ينظر نور هذا العالم، ولكن إن كان أحد يمشي في الليل يعثر لأن النور ليس فيه" (يو10،9:11).  إن السيد المسيح هو نور العالم..  والبشارة بالإنجيل هي نور العالم، ولهذا فقد حمل الاثنا عشر تلميذا هذا النور، ونشروه في المسكونة لإنارتها..

كانوا اثنى عشر ليحملوا أنوار ساعات النهار الإثنى عشر.  وكل منهم كانت ترمز إليه ساعة من ساعات النهار.  كقول الرب عن يوحنا المعمدان: "كان هو السراج الموقد المُنير، وأنت أردتم أن تبتهجوا بنوره ساعة" (يو35:5).

ثالثاً: رقم 12 هو رقم ثلاثة مضروباً في أربعة (3×4=12):

ورقم 3 هو إشارة إلى الثالوث القدوس وعمله في خلاص البشرية.

أما رقم 4 فيشير إلى أربع اتجاهات المسكونة، أو يشير إلى الإنجيل أي البشائر الأربعة.

وهكذا يكون رقم 12 هو إشارة إلى عمل الثالوث القدوس في خلاص البشرية، في أرجاء المسكونة من مشارق الشمس إلى مغاربها ومن الشمال إلى الجنوب.

لهذا قال السيد المسيح لتلاميذه: "اذهبوا إلى العالم أجمع، واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها" (مر15:16)؛ "وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس، وعلموهم أن يحفظوا كل ما أصيتكم به" (مت20،19:28).  وبالفعل قيل عن الآباء الرسل: "في كل الأرض خرج منطقهم، وإلى أقصى المسكونة بلغت أقوالهم" (مز4:19).

ومن تاريخ الشعب القديم عند خروج بني إسرائيل من أرض مصر، وفي بداية ارتحالهم في برية سيناء، بعد عبورهم البحر الأحمر، أنهم "جاءوا إلى إيليم وهناك اثنتا عشرة عين ماء وسبعين نخلة" (خر27:15)، وفي هذا إشارة واضحة إلى التلاميذ الاثنى عشر والرسل السبعين الذي عيَّنهم السيد المسيح نفسه. ومن الأمور الجميلة أن الكنيسة القبطية تحتفل بعيد الآباء الرسل يوم 12 من الشهر السابع من السنة الميلادية

رابعا: في حديث السيد المسيح عن جيوش الملائكة قال لبطرس: "أتظن أني لا أستطيع أن أطلب إلى أبي فيقدم لي أكثر من اثنى عشر جيشاً من الملائكة؟" (مت53:26)

خامساً: وفي سفر الرؤيا رأي القديس يوحنا اللاهوتي حول العرش في السماء أربعة وعشرين قسيساً في أيديهم مجامر وقيثارات، ويرفعون بخوراً أمام الله هو صلوات القديسين (رؤ8:5).  والملاحظ هنا أن رقم 24 هو ضعف رقم 12 لأن النهار على الأرض اثنتا عشر ساعة، أما في السماء فليس هناك نهار وليل، بل نهار دائم يرمز إليه رقم 24 (رؤ25:21).

سادسا: المئة وأربعة وأربعون ألفاً 144000 البتوليون غير الدنسين (رؤ4،3:14)، الذين ظهروا في المشهد السماوي يتبعون الحمل (المسيح) أينما ذهب، هؤلاء هو 12×12=144 مضاعفة ألف مرة.  فهؤلاء عاشوا حياة منيرة غير دنسة (12 ساعة في نور النهار)، وما فيها من نور هو بحسب الإيمان الرسولي (×12 رسول)، ويصعب حصر عددهم لكثرتهم (ألوف).  ولعل هذا يذكرنا بتوبة أهل نينوى الذين قال عنهم الله: أنهم إثنتا عشرة ربوة من الناس أي مائة وعشرون ألفاً.  وهو رقم 12×1000×10، ويرمزون إلى الذين يحبون حياة النور بالتوبة في أفواج يصعب حصرها (عشرات ألوف).

وهنا يتبادر إلى الذهن السؤال التالي:

هل دبَّر الله أن يكون النهار اثنتى عشرة ساعة، والسنة اثنى عشر شهراً، لكي يختار اثنى عشر تلميذاً؟ أم اختار 12 تلميذ لأن النهار 12 ساعة، والسنة 12 شهر؟!

وللإجابة على ذلك نقول: إن المعنى الأساسي للرقم 12 هو الإشارة إلى الثالوث القدوس، وفي عمله من أجل خلاص البشرية في أربعة أرجاء المسكونة.  وعلى هذا الأساس يأتي ترتيب باقي الأمور.

حقاً يا رب، ما أعجب تدابيرك!  كلها بحكمة صنعت، وما أبعد أحكامك عن الفحص وطرقك عن الاستقصاء..!  وإننا فقط نقف لنتأمل ونتفهم ونتعجب ويبقى أمامنا الكثير لنعرفه عنك يا إلهنا القدوس.

شباط - Febuary
العدد (96)

الصوم

إن كلمة صوم ليست مجرد ثلاثة أحرف نرددها بشكل عفوي, بل هي تحوي الكثير من المعاني والعبر, ولكل حرف في هذه الكلمة دلالته و قيمته الهامة جداً في حياتنا اليومية, ولكي نستطيع أن نعيش الصوم الحقيقي ونفهم فحواه و نقدر أن نصل إلى الغاية المرجوة منه.. علينا أن نفكر في هذه المعاني والقيم   ونحاول جهدنا لتطبيقها ولتكون نوراً لنا في مسيرتنا الروحية نحو الرب.

ص:

- صبر  نمتحنه  في حياتنا المليئة بالكثير من المطبات ..

- صلاة تنقي الروح و تهذبها وتكون جواز سفر لنا للوصول إلى الله..

- صداقة مع الذات و مع الآخر ومع الله..

- صمود في وجه كل تحدي في حياتنا..

- صمت داخلي للوصول إلى أعماقنا وسبرها, وصمت عن  أفعال و أقوال تحاول جذبنا..

- صراع مع الرغبات و الشهوات , ومع الذات ,ومع كثير من متطلبات الحياة..

- صراحة في أحاديثنا و أفعالنا وجميع تصرفاتنا  ..

- صادق مع نفسي ومع الله و في جميع علاقاتي  ..

و:

- وداعة أعيشها في علاقاتي..

- وئام  ومودة في مختلف ارتباطاتي بالآخر..

-ولادة جديدة روحية تتحقق عندما أعرف كيف أعيش الصوم الحقيقي في حياتي..

-وقت: 1- وقت الرجوع إلى الله  2-وقت الرجوع إلى الذات على ضوء كلمة الله

3-وقت الرجوع إلى الآخر -ورع أحتاج إليه في كثير من علاقاتي في هذا الزمن..

م :

- محبة لله و للآخر.. - مصالحة مع الله ومع أخي الإنسان و مع ذاتي.

مخافة الله في أعمالي و أفكاري.. - مشاركة الآخر بما لدي..- مساعدة المحتاج بحسب استطاعتي و قدراتي دون تمنين

- مسؤولية تجاه نفسي و تجاه غيري.. - مسيرة نحو الله توصلني إلى النهاية السعيدة..

- مجهود أبذله لكي أستمر في خطواتي بشكل صحيح.. - محنة أعيشها لكي أختبر معنى الصبر الحقيقي ..  

- مشيئة أسعى إلى تحقيقها.. موت يوصلني إلى القيامة مع يسوع المسيح..

فالصوم إذاً هو إمكانية عيش حياة مسيحية حقيقية بما تشمله من طاعة و تجرد (فقر) و عفة,   لمجابهة تيار هذا العالم الحالي بما فيه من سلطة و مال
 

الروزنامة الشهرية

الأحد

 1 كانون الثاني2012       

عيد الختانة– يوم السلام العالمي :رسالة قداسة البابا –تربية الشباب على العدالة و السلام

الجمعة

 6 كانون الثاني 2012

عيد الدنح –عماد الرب يسوع– القداس الاحتفالي الساعة 10.30 صباحاً في جبل اللويبدة

الجمعة

13كانون الثاني 2012

سفرة الحج المسيحي الى نهر الأردن (المغطس) للكنائس الكاثوليكية في الأردن

الثلاثاء

17 كانون الثاني2012

عيد مار أنطونيوس الكبير أبي الرهبان

الأربعاء

18كانون الثاني 2012    

 بدء اسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين

الإثنين

30كانون الثاني 2012

اليوم الأول لصوم الباعوثة_صوم نينوى – بدء الصلاة الساعة 4.30  في جبل اللويبدة

 

رسالة البابا بندكتس السادس عشر لصوم 2012

إخوتي وأخواتي الاعزاء،
يمنحنا الصوم مرة جديدة فرصة التفكير في جوهر الحياة المسيحية، أي المحبة.

الصوم هو في الواقع زمن يسمح لنا بتجديد طريق الإيمان الفردية والجماعية بفضل كلمة الله والأسرار المقدسة. إنّها طريق محفوفة بالصلاة والمشاركة، بالصمت والصوم، في انتظار عيش فرح الفصح. أرغب هذه السنة باقتراح تأملات استوحيتها من نص قصير من الرسالة إلى العبرانيين: "ولينتبه بعضنا إلى بعض للحث على المحبة والأعمال الصالحة" (عب 10 ، 24). تشكل هذه الآية جزءاً من رسالة يحث فيها الكاتب على الثقة بيسوع المسيح الكاهن الأعظم الذي نال لنا الغفران والوصول إلى الله. ثمرة استقبالنا للمسيح هي العيش وفقاً لثلاث فضائل لاهوتية: "فلندن بقلب صادق وبتمام الإيمان، وقلوبنا مطهّرة من أدناس الضمير وأجسادنا مغسولة بماء طاهر" (الآية 22)، "ولنتمسك بما نشهد له من الرجاء ولا نحد عنه، لأن الذي وعد أمين" (الآية 23)، "ولينتبه بعضنا إلى بعض للحث على المحبة والأعمال الصالحة" (الآية 24). ولدعم هذا التسلسل الإنجيلي، من المهم المشاركة في اللقاءات الليتورجية وصلاوات الجماعة، آخذين بعين الاعتبار هدفاً أخيريًا (اسكاتولويجيًا): التواصل الكامل مع الله (الآية 25). وتستوقفني الآية 24 التي تقدّم وبكلمات قليلة تعليماً قيّماً وآنياً على الدوام يتمحورحول ثلاثة جوانب من الحياة المسيحية: الانتباه إلى الآخر، والمعاملة بالمثل والقداسة الذاتية.

1. "الانتباه": المسؤولية تجاه أخي الإنسان  :

العنصر الأول هو الدعوة إلى "الانتباه"، فالفعل اليوناني المستخدم هو katanoein، ويعني "النظر جيداً" و"توخي الحذر" و"النظر بوعي" و"التنبه إلى واقع ما". نجد هذا العنصر في الإنجيل المقدس، حين دعا يسوع تلاميذه إلى "النظر" إلى طيور السماء التي لا تزرع ولا تحصد، ولا تجمع إلى مخازن، والله يرزقها (لو 12، 24)،  و"نظر" البعض إلى القذى الذي في عين الآخر وعدم رؤية الخشبة التي في عينهم (لو 6، 41). كما نجد هذا العنصر أيضاً في نص آخر من الرسالة إلى العبرانيين، وبالتحديد في الدعوة إلى "التأمل بالمسيح" (عب 1، 3)، رسول شهادتنا وعظيم كهنتها. بعدها يدعونا هذا الفعل إلى "إبقاء عيننا على الآخر" بدءاً بالمسيح يسوع، والانتباه أحدُنا إلى الآخر، وعدم التعامل بعضنا مع بعض معاملة الغرباء أو اللامبالين بمصير الإخوة. في المقابل، يسود في معظم الأحيان الموقف المعاكس: موقف اللامبالاة وعدم الاكثراث الذي يولد من الأنانية المتخفية خلف قناع مظاهر الاحترام لـ"الحياة الخاصة". واليوم أيضاً يتردد بقوة صدى صوت الرب الذي يدعو كلاً منا إلى العتناء أحدنا بالآخر. اليوم أيضاً يطلب منا الرب أن نكون "حرّاساً" لإخوتنا (تك 4، 9)، وتكوين علاقات تتميز بالاهتمام المتبادل واللهفة المتبادلة، من خلال الاهتمام بمصلحة الآخر وكل ما يملك. إنّ الوصية العظيمة التي تدعو إلى محبة القريب تستلزم إدراك المسؤولية تجاه الآخر الذي هو، مثلي أنا، مخلوق الله وابن له. فبما أننا إخوة بالإنسانية وفي كثير من الأحيان إخوة بالإيمان، فعلينا إذاً أن نرى في الآخر "الذات الثانية" المحبوبة بلا حدود من قبل الرب. وإنّنا متى زرعنا نظرة الأخوة هذه، يتدفق التضامن والعدالة والرحمة والتعاطف طبيعياً من قلوبنا.وكان خادم الله البابا بولس السادس يؤكّد أن العالم اليوم بات يعاني غياب الأخوّة بين البشر: "العالم مريض. وعلّته لا تكمن في نضب الموارد أو احتكارها من قبل البعض، بل يكمن في انعدام الأخوة بين البشر والشعوب" (الرسالة العامة "تطور الشعوب"، 26 مارس 1967 رقم 66). ويشمل "الانتباه إلى الآخر" أن نتمنى له الخير بجوانبه المختلفة: الجسدي والمعنوي والروحي. ويبدو أنّ الثقافة المعاصرة قد فقدت معنى الخير والشر، في حين أنّه بات من الضروري أن نكرّر بقوة وحزم أنّ الخير موجود وينتصر، لأنّ الله هو "الحسن والمحسن" (مز 119، 68). الخير هو الذي يولّد ويحمي ويعزّز كلاً من الحياة والأخوة والتواصل. المسؤولية تجاه الآخر تعني إذاً أن نتمنى الخير للآخر، ونعمل على تحقيق هذا الخير له، آملين بأن ينفتح هو أيضاً على منطق الخير؛ فالاهتمام لأمر أي من إخوتنا يعني أن نفتح أعيننا لنرى احتياجاته. والكتاب المقدس يحذّر من خطر تحجّر القلب بنوع من "المخدّر الروحي" الذي يُعمي البعض عن رؤية معاناة الآخرين. يذكر لوقا الإنجيلي اثنين من الأمثال الذي أعطاها يسوع، يقدّمان مثالين عن وضع التحجر الذي يمكن أن ينشأ في قلب الإنسان.ففي مثل السامري الصالح، نرى كيف أن الكاهن واللاوي "مالا عنه ومضيا لامباليين بحال ذاك الرجل العاري والمتعرّض للضرب على أيدي اللصوص (راجع لو 10، 30-32). وفي مثل الغني، لم يأبه هذا الرجل المتخم بالخيرات إلى حالة لعازر الفقير الذي مات جوعاً على عتبة بابه (راجع 16، 19). ففي كلتا الحالتين، علينا بدلاً من ذلك أن "نهتمّ" وننظر بحب وتعاطف إلى كل من الرجلين. فما الذي يعيق نظرة الإنسانية والحنو تجاه أخينا الإنسان؟ غالباً ما يكمن السبب في الثروة المادية والفيض، ولكن ثمة أسباب أخرى ومنها تفضيلنا مصالحنا واهتماماتنا الشخصية على أي شيء آخر. ولكننا يجب ألّا نبدو مطلقاً عاجزين عن "إبداء بعض الرحمة" تجاه من يعاني، ويجب ألّا ندع مصالحنا ومشاكلنا الشخصية تستولي على قلوبنا لدرجة أن نمسيَ صُماً لا نسمع صرخة الفقراء. وعلى العكس، إنّ تواضع القلب والاختبار الشخصي للمعاناة يمكنهما أن يشكلا مصدراً للصحوة الداخلية والانفتاح على الشفقة والتعاطف: "البار يعرف قضية الفقراء والشرير لا يفطن لمعرفتها" (أم 29،7). على ضوء ذلك نفهم تطويب "الودعاء" (متى 5، 4)، أي أولئك القادرين على الخروج من ذواتهم ليتمكّنوا من الشعور بالأسى والشفقة إزاء معاناة الآخرين. لذا فإنّ لقاء الآخر وفتح قلبنا لاحتياجاته هما فرصتان للخلاص والتقديس. الانتباه" إلى أخينا الإنسان يتضمّن أيضاً طلب الخير الروحي له. أرغب بالتذكير هنا بأحد جوانب الحياة المسيحية التي باتت منسية: التصحيح الأخوي من أجل تحقيق الخلاص الأبدي. بشكل عام، إنّنا حساسون جداً لموضوع الرعاية الصحية والخيرية لتوفير الخير الجسدي والمادي للآخرين، ولكنّنا لا نتحدث إن جاز التعبير عن مسؤوليتنا الروحية تجاه إخوتنا. ولكنّ الحال لم تكن كذلك في الكنيسة الأولى، ولا في المجتمعات الناضجة فعلاً في إيمانها، فجميعها لم تهتم بالصحة الجسدية للإخوة فحسب، بل بالصحة الروحية أيضاً وبمصيرهم النهائي. نقرأ في الكتاب المقدس: "لا توبّخ الساخر لئلا يبغضك، وبّخ الحكيم فيحبك. أفِد الحكيم فيصير أحكم، علّم البار فيزداد فائدة" (أم 9، 8-9). فالمسيح نفسه يأمرنا بأن نوبّخ أخانا الذي يُخطئ (راجع متى 18، 15). فالفعل" elenchein" المستخدم لتعريف التصحيح الأخوي هو نفسه الذي يشير إلى المهمة الرسولية المتمثلة بشجب المسيحيين لأعمال الظلام العقيمة الذي يستسلم لها أبناء هذا الجيل (راجع أفسس 5،11). وقد اعتبر تقليد الكنيسة "عتاب الخطأة" أحد أعمال الرحمة الروحية، ومن المهم استعادة بُعد المحبة المسيحية هذا إذ يجب ألا نبقى ساكتين في وجه الشر. هنا أستذكر موقف المسيحيين الذين، من باب احترام الإنسان أو بسبب الملاءمة، يتأقلمون مع العقلية السائدة بدلاً من أن يحذّروا إخوتهم من طرق التفكير والتصرف المتعارضة مع الحقيقة، فلا يتبعون طريق الخير.  ولكن يجب التنبّه إلى أنّ التوبيخ المسيحي لا يتمّ بروحية الإدانة أو التجريم، بل بدافعَي الحب والرحمة، كما أنّها وليدة السعي الحقيقي من أجل تحقيق خير أخينا الإنسان. ويؤكّد بولس الرسول: " أيها الإخوة، إن وقع أحد في فخ الخطيئة، فأصلحوه أنتم الروحيين بروح الوداعة. وحذار أنت من نفسك لئلا تجرب أنت أيضا" (غل 6، 1). ففي عالمنا الغارق في الفردية، من الضروري إعادة اكتشاف أهمية التصحيح الأخوي من أجل السير معاً على درب القداسة. " فإن البار يسقط سبع مرات" (أم 24، 16) بحسب ما يقول الكتاب، ونحن جميعاً ضعفاء وغير كاملين (راجع 1 يو 1،8).لذا فمن المفيد جداً أن نساعد وأن نسمح للآخرين بمساعدتنا من خلال إلقاء نظرة صادقة وحقيقية على أنفسنا من أجل تحسين حياتنا الخاصة، والسير بمزيد من الاستقامة على درب الرب. فنحن بحاجة دائمة إلى نظرة حب وتصحيح، نظرة تعرف وتعترف، تميز وتسامح (راجع لو 22: 61) كما نظر الرب وينظر إلى كلّ منا.

2. "بعضنا إلى بعض": نعمة المعاملة بالمثل

 تتعارض "حراسة" الآخرين مع ذهنية تقليص الحياة إلى بُعد وحيد أرضي، من دون أن تنظر إليها من وجهة نظر أخروية، بل تقبل بأي خيار أخلاقي باسم الحرية الفردية. فمجتمع كمجتمع اليوم يمكن أن يصبح أصمّاً تجاه المعاناة الجسدية ومتطلبات الحياة الروحية والأخلاقية. ولكن يجب ألا تكون هذه الحال في المجتمع المسيحي. يدعو بولس الرسول إلى البحث عما "يعزز السلام والبنيان المتبادل" (رو 14، 19)، " وليسع كل واحد منا إلى ما يطيب للقريب في سبيل الخير من أجل البنيان" (رو 15، 2)،  من دون السعي إلى المنفعة الشخصية، " بل إلى منفعة جماعة الناس لينالوا الخلاص" (1 كو 10،33). فيجب أن يشكّل هذا التصحيح المتبادل وهذه الموعظة جزءاً أساسياً من حياة المجتمع المسيحي، بروح من التواضع والمحبة.إن تلاميذ المسيح المتحدين بالمسيح بفضل الافخارستيا يعيشون في شركة تربطهم الواحد بالآخر كأعضاء جسد واحد. ومن هذا المنطلق، يكون الآخر متحداً بي بطريقة معينة بحيث أصبحت حياته مرتبطة بحياتي، وخلاصه بخلاصي. نتناول هنا عنصراً عميقاً جداً للشركة: فوجودنا مرتبط ارتباطاً وثيقاً بوجود الآخرين، في الخير والشر. فللخطيئة كما ولأعمال المحبة أبعاد اجتماعية. وفي الكنيسة التي هي جسد المسيح السري، تنطبق هذه المعاملة بالمثل: فالجماعة لا تكف عن التكفير عن الذنوب وطلب المغفرة من أجل أبنائها، ولكنها تفرح وتهلل دائماً لأعمال الفضيلة والمحبة التي تشهدها. ويقول بولس الرسول: "لتهتم الأعضاء بعضها ببعض اهتماما واحدا" (راجع 1 كو 12، 25) ليصبحوا جسداً واحداً. فمحبة الإخوة التي تُترجم من خلال التصدق على الفقراء، وهي الميزة الأساسية في زمن الصوم إلى جانب الصلاة والصوم، تتجذر في هذا الانتماء إلى جماعة.ومن خلال العناية الملموسة بالأكثر فقراً، يمكن للمسيحي أن يعبّر عن مشاركته في جسد الكنيسة الواحد. فالانتباه إلى الآخرين من خلال المعاملة بالمثل يتضمن الاعتراف بخير الرب الذي يتحقق من خلالهم، وشكره معهم على النعم التي يستمر الله الرؤوف والقدير بتحقيقها في أبنائه. فحين يرى المسيحي في الآخر عمل الروح القدس، لا يمكنه إلا أن يتهلل ويمجد الله أبانا الذي في السموات (راجع مت 5، 16).

3. "للحث على المحبة والأعمال الصالحة": السير معاً على درب القداسة

تدفعنا هذه العبارة من الرسالة إلى العبرانيين (10، 24) إلى النظر في الدعوة الشاملة إلى القداسة، الدرب الثابتة في الحياة الروحية والتطلع إلى المواهب العظمى ومحبة أكبر وأكثر إثماراً (راجع 1 كو 12، 31- 13، 13). فالاهتمام المتبادل يهدف إلى حثنا بطريقة متبادلة على حب ينمو ويكبر يوماً بعد يوم "أما سبيل الأبرار فمثل نور الفجر الذي يزداد سطوعا إلى رائعة النها " (أم 4، 18)، بانتظار عيش اليوم الذي لا ينتهي في الرب. فالوقت المخصص لنا في هذه الحياة ثمين جداً، فلنستثمره إذاً في اكتشاف وتحقيق أعمال الخير بغمر من الحب الإلهي. وهكذا، تنمو الكنيسة وتتطور لتبلغ ملء قامة المسيح (راجع أف 4، 13). وفي هذه المنظور الدينامي للنمو تكمن موعظتنا للحث المتبادل لتحقيق ملء الحب وأعمال البر. وللأسف، يستمر الفتور، واختناق الروح، ورفض "المتاجرة بالوزنات" التي مُنحت لنا لخيرنا ولخير الآخرين (راجع مت 25، 25). لقد أُعطينا جميعاً ثروات روحية أو مادية تمكننا من تحقيق المخطط الإلهي، من أجل خير الكنيسة وخلاص نفوسنا (راجع لو 12، 21؛ 1 تم 6، 18).يذكّر القادة الروحيون بأن من لا يتقدّم في حياة الإيمان يتراجع. فيا إخوتي وأخواتي الأعزاء، فلنرحّب بالدعوة الآنية دائماً إلى "السمو إلى أعلى درجات الحياة المسيحية" (يوحنا بولس الثاني، الإرشاد الرسولي، مطلع الألفية الجديدة 6 يناير 2001 رقم 31). فمن خلال الاعتراف والإعلان عن تطويب بعض المسيحيين المثاليين وتقديسهم، تسعى الكنيسة أيضاً إلى توليد الرغبة بتقليد فضائلهم. ويحثنا القديس بولس بالقول: "تنافسوا في إكرام بعضكم لبعض" (رو 12، 10).في عالم يتطلّب من المسيحيين أن يجددوا شهادة الحب والإخلاص للرب، يشعر الجميع بحاجة ملحة إلى عمل المستحيل للتنافس في أعمال الخير والخدمة وأعمال البر (راجع عب 6، 10).

وهذا التذكير مهم وفاعل جداً خلال الزمن المقدس الذي نستعد في خلاله إلى فصح القيامة. إنّي إذ أتمنى لكم صوماً مقدساً ومثمراً، أضعكم بين يدي شفيعتنا وأمنا العذراء مريم، وأمنحكم جميعاً ومن كلّ قلبي البركة الرسولية.

 

قصة روحية: العناية الإلهية

هبّت عاصفة هوجاء على سفينة بعيدًا عن السواحل. فغرق كلّ من كان فيها عدا رجل واحد استطاع أن يجاهد ويكافح حتى وصل إلى جزيرة صغيرة مهجورة. بنى الرجل كوخًا صغيرًا وأسلم نفسه لعناية الله. كان يعيش من بعض الأعشاب التي كان يلتقطها هنا وهناك، لاسيما وأن الأمواج دفعت إلى الجزيرة بعضًا مما كان في السفنية الغارقة من طعام وشراب. كان يقضي الساعات فوق الصخور العالية في الجزيرة يلوّح بيده لعلّه يرى سفينة من بعيد تأتي لنجدته.

وفي يوم من أيّام الصيف الحارّة، صعد إلى الصخرة كعادته ينظر إلى الأفق البعيد، ولما تعب من النظر التفت وإذ بالنيران تلتهم كوخه الصغير ولا تُبقى فيه على شئ. قنط المسكين وأخذ يفكّر في قَدَره، لكنه في النهاية جدّد إيمانه بالله. وفي المساء، وصلت إلى الجزيرة سفينة كانت مسافرة وقال القبطان لصاحبنا: "لقد رأينا النار التي أضرمتها لتدلّنا على وجودك، وأتينا لنجدتك".

القصة الروحية عن موقع جمعية التعليم المسيحي في حلب                 www.talimmasihi.com

كانون الثاني - January
العدد (95)


القراءات الطقسية

إن عمادك يارب هو معين و اكتمال الإيمان الحي،جرى في نهر الأردن و مهد الطريق الى ملكوت السماء أمام كل المعمدين، و ذلك من حلال إقرارهم بالأقانيم المجيدة لثالوثك المسجود

الأحد  الثاني بعدالميلاد :   1 /1/2012

سفرأشعيا(49: 1-7 ) تروي دعوة خادم الرب و مجال عمله .

رسالة 2 طيمثاوس (2: 16-22) اهمية السلوك الجيد بالدعوة الجديدة .

إنجيل القديس لوقا(2: 22-38) ختانة الرب في اليوم الثامن .

الأحد  الأول من الدنح  :   8 /1/2012

سفر أشعيا(44: 31-45: 4 ) تدعونا الى الامانة تجاه الله .

رسالة 2 طيمثاوس (3: 1-15) الاستعداد لأيام المسيح الأخيرة  .

إنجيل القديس لوقا(4: 14-30) اعلان البرنامج الخلاصي لمجيء يسوع روح الرب مسحني لأبشر المساكين..  

 الأحد الثاني من الدنح :  15/1/2012

سفر أشعيا (45: 11- 17) خلاص الرب هو حضوره الدائم بيننا وتدعو للعيش بمقتضاه   .

رسالة العبرانيين(3: 1-7) يسوع المسيح هو الكاهن الأزلي و نحن هيكله .

إنجيل القديس يوحنا(1: 1- 18) المسيح هو الكلمة المتجسد و من خلاله نصبح ابناء النور عندما نؤمن به .

الأحد الثالث من الدنح   :  22/1/2012.

سفر أشعيا (45: 14 -20) الدعوة الى التوبة و تغير الفكر و القلب .

رسالة العبرانيين(3: 12-19) اذا سمعتم صوته فلا تقسوا قلوبكم .

 إنجيل القديس يوحنا(1: 29-42) اعلان النبي يوحنا بأن يسوع هو حمل الله الحامل خطايا البشر .

الأحد الحامس من الدنح   :  29/1/2012.

سفر عاموس (8: 4 -11) النبي يدعو الى نبذ الطمع و الرشوة و الاستغلال بسبب الحالة الاجتماعية المتردئية.

رسالة العبرانيين(6: 9-7: 3) صدق الله في وعوده مهما كانت الصعوبات .

 إنجيل القديس يوحنا(3: 1-21) حوار يسوع مع المعلم نيقوديمس اليهودي حول العماد الجديد
 

الروزنامة الشهرية

الأحد

 1 كانون الثاني2012       

عيد الختانة– يوم السلام العالمي :رسالة قداسة البابا –تربية الشباب على العدالة و السلام

الجمعة

 6 كانون الثاني 2012

عيد الدنح –عماد الرب يسوع– القداس الاحتفالي الساعة 10.30 صباحاً في جبل اللويبدة

الجمعة

13كانون الثاني 2012

سفرة الحج المسيحي الى نهر الأردن (المغطس) للكنائس الكاثوليكية في الأردن

الثلاثاء

17 كانون الثاني2012

عيد مار أنطونيوس الكبير أبي الرهبان

الأربعاء

18كانون الثاني 2012    

 بدء اسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين

الإثنين

30كانون الثاني 2012

اليوم الأول لصوم الباعوثة_صوم نينوى – بدء الصلاة الساعة 4.30  في جبل اللويبدة

 

عظة الاحتفال بأمسية الصلاة المسكونية من أجل وحدة المسيحيين  (للمطران سليم الصائغ)

في كنيسة يوحنا دي لاسال في عمّان. الخميس 19-1-2012

إن السيد المسيح أنشأ كنيسة واحدة، وختمها بهيكلية الرسل، وجعل بطرس والرسل حجارة الأساس، يشتركون في رسالته وسلطانه. ومنذ عهد الرسل ظهرت بعض الانقسامات والانحرافات عن الإيمان القويم، استنكرها بطرس وبولس وسائر الرسل. وبعد عهد الرسل، وعلى مدى التاريخ، ظهرت أيضاً انشقاقات أشد خطورة، بذنب أفراد من هذا الفريق أو من ذاك. جراح وحدة الكنيسة تمت وتتم بخطيئة البشر. ونتيجة لذلك يقف المسيحيون اليوم مواقف إيمانية متباينة، وينهجون طرقاً مختلفة، كما لو كان المسيح نفسه قد تجزأ. هذا التفتّت يتعارض صراحة مع إرادة المسيح، وهو حجر عثرة للعالم، وعقبة في طريق الخلاص الذي حققه السيد المسيح والذي إليه يدعو كل البشر في كل مكان وزمان.

 محبة المسيح تجمعنا اليوم في بيت الرب هذا لكي نرفع صلاتنا إلى الله، من اجل وحدة المسيحيين على إيمان واحد في كنيسة واحدة، كما أرادها المسيح. وقد نشأت الحركة المسكونية متوخية هذا الهدف. وهي تقوم بمبادرات واتصالات ودراسات لاهوتية، جعلت المسيحيين يدركون أن السعي إلى وحدة الكنائس واجب يفرض ذاته على الجميع تلبية لرغبة المسيح. فالحركة المسكونية ليست ملحقاً يُضاف إلى عمل الكنيسة الاعتيادي، بل هي من صلب كيانها العميق. يقول البابا يوحنا بولس الثاني: "أن نؤمن بالمسيح يعني أن نريد الوحدة، وأن نريد الوحدة يعني أن نريد الكنيسة، وأن نريد الكنيسة يعني أن نريد موهبة النعمة التي تلبي قصد الأب منذ الأزل". فنحن اليوم نطلب في صلاتنا:

 أولا: أن يدرك المسيحيون أن الكنيسة لا تنحصر في انتماء طائفي ولا في شعب من الشعوب. وهذا يعني انه لا يحق للمسيحيين أن يجعلوا من انتمائهم الطائفي المرجع الأخير لإيمانهم المسيحي. اجتماعنا اليوم للصلاة من اجل وحدة المسيحيين في إيمان واحد، هو اعتراف منا جمعياً بأننا أعضاء أسرة تلاميذ المسيح الواحدة، بالرغم من انتمائنا إلى كنائس متعددة، وبالرغم من وجود تنوع شرعي ودرجات متنوعة من الشركة بين مختلف الكنائس.

 بالإضافة إلى ذلك، نحن نرى من حولنا جهوداً جبارة يقوم بها أبناء الديانات غير المسيحية لكي يربوا أبناءهم ويتعمقوا في معرفة إيمانهم، بينما نرى في صفوفنا فتوراً وجهلاً كبيرين في معرفة إيماننا المسيحي. يلزمنا صفاء الرؤية المسيحية والقوة والشجاعة كي نُدخل الفكر المسكوني في المدارس وفي مناهج التعليم المسيحي، وكي نربي أبناءنا على محبة بعضهم البعض، وعلى الشهادة للمسيح بأخلاقنا الإنسانية والمسيحية وبالتزامنا المسيحي في كل مجالات الحياة: الأسرية والاجتماعية والسياسية. ما أسهل على الإنسان، مسيحياً كان أم مسلماً، أن ينزع إلى أقصاه الأخر. وفي بلادنا، تظهر هذه النزعة في الأصوليات الدينية والطائفية، وفي الحروب، وفي تهجير المسيحيين من بلادهم، وفي التصفيات والتصرفات العرقية، وفي التغاضي عن المساواة بين المواطنين، وفي الهوة التي تزداد اتساعاً بين الفقراء والأغنياء. في هذه الأجواء التي لا توفر الطمأنينة في القلوب، يدعونا إيماننا المسيحي إلى نبذ الخلافات، وإلى الثبات في المحبة والإيمان، وإلى الصلاة لكي نزداد وعياً على رسالتنا المسيحية في وطننا الغالي فنلتزم بها ونشهد للمسيح شهادة حسنة.

ثانياً: إن القيم المسيحية المشتركة بين المسيحيين تساعد كثيراً على هدم الحواجز والحدود والمواقف السلبية. إن ما يجمعنا هو أكثر بكثير مما يجعلنا مختلفين. كلنا نؤمن بكنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية. وكلنا نؤمن بان الروح القدس الرب المحيي يملأ الكنيسة ويحييها ويسوسها. وكلنا نؤمن انه في داخل شركة الكنيسة الواحدة، توجد شرعا كنائس محلية تتمتع بتقاليدها الخاصة. وكلنا نؤمن أن هذا التنوع بالإضافة إلى غنى الليتورجيات لا يعارض وحدة الكنيسة. كلنا نؤمن بان الكنيسة هي شعب الله وجسد المسيح السري، وهيكل الروح القدس وعروس المسيح وطريق الخلاص لنا ولكل شعوب الأرض.

 الوحدة الكاملة في الإيمان هم من همومنا، رعاة و مؤمنين، بل هو هَم المسيح الذي عبّر عنه، حين صلى إلى الأب قائلاً: "فليكونوا بأجمعهم واحدا كما انك أنت أيها الأب فيّ وأنا فيك، ليكونوا هم أيضا واحداً فينا، حتى يؤمن العالم انك أنت أرسلتني" (يو17/21). وحدة الله المثلث الاقانيم هي مبدأ كل وحدة، وهي ينبوع وحدة المسيحيين. فالكنيسة واحدة في ينبوعها، وواحدة في مؤسسها، وواحدة في روحها وواحدة في إيمانها وأسرارها. فمن جوهر الكنيسة أن تكون واحدة كما أسسها وأرادها المسيح.

 ثالثاً: الكنيسة في مفهومها اللاهوتي، لا تحتويها حدود بشرية. وبالتالي فان توحيد المسيحيين في إيمان واحد، يفوق قوى البشر ويفوق تخطيطهم وذكاءهم. الروح القدس هو الذي يزرع في قلوب المؤمنين الرغبة الصادقة، في أن يكونوا واحداً في المسيح واحداً في المحبة والإيمان. وعندما يكون المؤمنون صادقين في رغبتهم هذه يسلكون طريق المحبة المسيحية وفقاً لأمر السيد المسيح: "أحببوا بعضكم بعضاً كما أنا أحببتكم". وكيف أحبنا؟ تألم ومات من اجل خلاصنا. المحبة كما أحبنا المسيح هي نقطة الانطلاق الحقيقة التي تجعل الطرق سالكة للاعتراف بإيمان واحد في كنيسة المسيح الواحدة، كما يريدها المسيح. والمحبة المسيحية ليست مجمالات، وليست دفاعاً عن انتماء طائفي. المحبة المسيحية تصبر وتخدم ولا تحسد ولا تتباهى ولا تنتفخ من الكبرياء، ولا تفرح بالظلم بل تفرح بالحق. قال السيد المسيح: "الحق يحرركم". والحق لدى المسيحيين يبدأ بتوبة القلب والتواضع، يبدأ بالصفح والغفران، يبدأ بالصلاة والاحترام والمحبة للجميع.

 إن السيد المسيح رأس الكنيسة غير المنظور، هو قلب صلاتنا في هذا المساء المبارك، وهو يعطي صلاتنا أبعادها الفائقة الطبيعة، ويجعل منها ترنيمة سجود وتمجيد وشكر للثالوث الأقدس: الأب والابن والروح القدس. فلنطلب إليه أن يحب المسيحيون بعضهم بعضاً كما أحبنا هو، وأن يحب أمهم الكنيسة كما أحبها هو، وأن يملا نفوسنا ويوحد قلوبنا، ويثبت رجاءنا، ويكرسنا في الحق، كي نقف أمام الله في بهاء الحقيقة، في منطق الله وليس في منطق البشر، في منطق الإيمان بكنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية، في منطق المحبة المسيحية، حيث تذوب كل أسباب الخلاف والخصومة، لان المحبة كما أحبنا المسيح، هي ركن الدين المسيحي ومحور الإيمان المسيحي .

 

قصة روحية: جدل على باب السماء

توفي كاهن ومَثَلَ أمام القديس بطرس يريد أن يدخل السماء. رحّب به مار بطرس وأمر ملاكًا بأن يُحضر ملفّ الكاهن ليطّلع على حياته وأعماله. وبعد أن قرأ الملف كاملا قال للكاهن: “حياتك لا بأس بها، إنما عليك أن تقضي 150 أسبوعا في المطهر”.

احتجّ الكاهن، وكان يودّ أن يدخل السماء مباشرة، فحنّ عليه مار بطرس وقال له: “نظرًا لما عانيته من آلام الروماتيزم في حياتك، أعطيك خصم 30% . لكن الكاهن لم يكتف وبدأ يجادل مار بطرس ويطلب أن يدخل السماء مباشرة. تعب مار بطرس من إصرار الكاهن، لكن الكاهن أصرّ على استئناف الحكم إلى يسوع المسيح الكاهن الأزلي. وبعد أخذٍ وردٍّ، اتّصل مار بطرس بيسوع المسيح وقال له: "هنا كاهن لا يقبل بحكمي ويريد أن يرفع شكواه إليك شخصيا".

وبعد بضعة دقائق وصل يسوع المسيح فرأى الكاهن وسأله ماذا يريد. أجاب الكاهن: "عندي ثلاثة أسباب لاستئناف الحكم". فقال له يسوع: "قل". أجاب الكاهن: "يقول تلميذك يوحنا “في بيت أبي منازل كثيرة، وأنا ذاهب لأعدّ لكم مقامًا... فكيف أقتنع أنك يا يسوع في السماء منذ أكثر من ألفي عام، لتعدّ لي مكانًا في المطهر لا في السماء". أجاب يسوع: "حسنًا، أكمل". فقال الكاهن: “قلتَ أنتَ على لسان تلميذك يوحنا، "إن الذين أحببتهم أريد أن يكونوا حيث أكون أنا. فكيف تكون أنت على عرشك في السماء وكاهنك يتألم في المطهر"؟. ابتسم يسوع وقال للكاهن: "أكمِل". أجاب الكاهن: "يقول لوقا الإنجيلي أنّك وعدتَ تلاميذك أنهم سيأكلون ويشربون معك على مائدتك في ملكوتك. وملكوتك هو السماء، فهل هيّاتَ لي مائدة في المطهر؟".

ابتسم يسوع مجدّدًا وسأل الكاهن: "والآن ماذا تريد بعد هذا الدفاع المستميت؟" أجاب الكاهن: "أريد فقط أن اكرّر ما قاله رسولك متى حين كتب : أنا لست أهلاً... ولكن حسبك يا ربّ أن تقول كلمة..."

وضحك يسوع حتى بانت نواجِذُه، وربّت على كتف الكاهن وقال له: "ليكن لك حسب إيمانك". قال هذا وأشار إليه أن يتبعّه. وسلك يبسوع درجًا خفيًّا والكاهن يسير وراءه، وما هي إلاّ لحظات حتى وجد الكاهن نفسه في السماء...


القصص الروحية عن موقع جمعية التعليم المسيحي في حلب                    www.talimmasihi.com


ٍSunday Message Page Site Map Home Page