قصص روحية
المجموعة الأولى

(1) الناسك و ابليس *

اتخذ قوم شجرة وصاروا يعبدونها، فسمع بذلك ناسك مؤمن بالله،فحمل فأسا وذهب إلى الشجرة ليقطعها. فلم يكد يقترب منها حتى ظهر له إبليس حائلا بينه وبين الشجرة وهو يصيح به:

- مكانك أيها الرجل ...لماذا تريد قطعها؟

- لانها تضل الناس.

- ما شأنك بهم ؟دعهم في ضلالهم.

- كيف ادعهم من واجبي ان اهديهم

- من واجبك ان تترك الناس احرارا،يفعلون ما يحبون.

- انهم ليسوا احرارا...انهم يصغون الى وسوسة الشيطان.واريدهم ان يصغوا الى صوت الله، فلا بد لي أن أقطعها.

فأمسك ابليس بخناق الناسك وقبض الناسك على قرن ابليس وتصارعا وتقاتلا طويلا...الى ان انجلت المعركة عن انتصار الناسك،وقد طرح ابليس على الارض، وجلس على صدره وقال له:

- هل رأيت قوتي فقال له ابليس بصوت مخنوق:

- ما كنت احسبك بهذه القوة،دعني،وافعل ما شئت.فخلى الناسك ابليس.وكان الجهد الذي بذله في المعركة قد نال منه...فرجع الى صومعته واستراح ليلته.

فلما كان اليوم التالي حمل فاسه وذهب ليقطع الشجرة،واذا ابليس يخرج من خلفها يريد ان يمنع الناسك من قطعها . فامسك كل واحد منهما بالاخر،وتقاتلا وتصارعا الى ان اسفرت المعركة عن سقوط ابليس تحت قدمي الناسك،فجلس على صدره كما فعل بالامس. وعاد الناسك من شدة تعبه الى صومعته واستلقى الليل بطوله. ولما كان الصباح حمل فاسه وتوجه الى الشجرة. فبرز له ابليس صائحا:

- الن ترجع عن عزمك ايها الناسك؟

ولكن الناسك لم يتراجع. ففكر ابليس لحظة، فراى ان القتال والمصارعة مع هذا الرجل لن تتيح له النصر عليه. فليس اقوى من رجل يقاتل من اجل فكرة او عقيدة.

ولم يجد ابليس غير الحيلة كي يتغلب على الناسك.فاخذ يلاطفه بلهجة الناصح المشفق عليه وقال له:

- اتعرف لماذا اعارضك في قطع الشجرة؟اني اعارضك خشية عليك ورحمة بك.فانك بقطها ستعرض نفسك لسخط الناس .مالك وهذه المتاعب تجلبها على نفسك.اترك قطع الشجرة،وانا اجعل لك في كل يوم دينارين تحت وسادتك تستعين بهما على نفقتك وتعيش في امن وسلام وطمأنينة.

اطرق الناسك يفكر مليا ثم رفع راسه وقال لابليس:

- من يضمن لي قيامك بهذا الشرط؟

- اعاهدك على ذلك،وتعرف صدق عهدي.

واخيرا اتفقا ووضع كل منهما يده في يد الاخروتعاهدا.

انصرف الناسك الى صومعته وصار يستيقظ كل صباح ويمد يده ويدسها فتخرج دينارين،حتى انصرم الشهر.وفي ذات صباح دس تحت الوسادة فخرجت فارغة.لقد قطع ابليس عنه فيض المال فغضب الناسك،واخذ فاسه ،وذهب ليقطع الشجرة،فاعترضه ابليس في الطريق وصاح به:

- مكانك يا ناسك،الى اين انت ذاهب؟

- الى الشجرة اقطعها.فقهقه ابليس ساخرا:

- اتقطعها لاني قطعت عنك الثمن؟

- لالا بل لازيل الغواية واضئ مشعل الهداية.وانقض الناسك على ابليس وقبض على قرنه وامسك بخناقه،وتصارعا وتقاتلا وتضاربا طويلا،واذا المعركة تنجلي عن سقوط الناسك،تحت حافر ابليس.لقد انتصر عليه وجلس على صدره مزهوا مختالاويقول له:

- اين قوتك ايها الناسك؟فخرج من صدرالناسك المقهوركالحشرجة يقول:

- اخبرني كيف تغلبت علي يا ابليس؟ فقال له:

- لما غضبت لله غلبتني...ولما غضبت لنفسك غلبتك.

- ولما قاتلت لعقيدتك صرعتني...ولما قاتلت لمنفعتك صرعتك.  

 

(2) رحمة الله *

قال الملك العظيم للكاهن الشيخ: "أنت تقول أنَّ الإنسان لو عمل خطايا كبيرة وتاب في آخر عمره عنها وطلب الغفران من الله فإنه يدخل السماء... وأن الذي يرتكب ولو ذنباً صغيراً لا يتوب عنه ينزل إلى النار. فهل هذا عدل؟ أليس الذنب الواحد أخف من الذنوب الكثيرة؟".
 

فقال الكاهن الشيخ للملك "لو مسكت حجراً صغيراً ووضعته فوق سطح الماء فهل يبقى على السطح أم يغرق؟" أجاب الملك: "يغرق" واستمر الكاهن: "ولو جئت بسفينة ووضعت فيها مئات الصخور الكبيرة فهل تغرق الحجارة؟" قال الملك "لا تغرق".

فقال الكاهن" " إذن جميع هذه الصخور أخف من الحجر الصغير؟" فلم يعرف الملك بماذا يُجيب...

فشرح له الكاهن: "هكذا يكون مع البشر أيها الملك العظيم. فحتى لو كان الإنسان مُثقلاً بالخطايا فإنه لا يذهب إلى جهنم إذا اتكل على الله وسأل الصفح. أما الإنسان الذي يفعل الشر ولو مرة واحدة ولكنه لا يطلب الغفران والرحمة من الله فإنه يهلك".

 

(3) الزوجان السعيدان *

كان في إحدى المدن زوجان فقيران، يعيشان حياة مليئة بالسعادة، وكان الحب بينهما يزداد يوما بعد يوم. وكان لكل منهما رغبة: فالزوج يملك ساعة ذهبية ورثها عن أبيه ويتمنى الحصول على سلسلة من نفس المعدن ولكنه لايستطيع بسبب الفقر والزوجة تملك شعرا ذهبيا وتتمنى الحصول على مشط جيد ولكنها لا تستطيع بسبب الفقر.

ومع مرور الزمن نسي الزوج سلسلته وبقي يفكر كيف يجلب مشطا جيدا لزوجته،وفي نفس الوقت نسيت الزوجة مشطها وبقيت تفكر كيف تجلب السلسلة الذهبية لزوجها.

ويوم الذكرى العاشرة لزواجهما تفاجأ الزوج اذ رأى زوجته قادمة اليه وقد قصت شعرها الاشقر الجميل فقال لها ماذا فعلت بشعرك ايتها الغالية وعندها فتحت يديها فلمعت فيها سلسلة ذهبية وقالت لقد بعته لاشتري لك هذه.فقال لها الزوج وقد اغرورقت عيناه بالدموع ما الذي فعلته يا عزيزتي واخرج من جيبه مشطا جميلا وقال وانا بعت ساعتي واشتريت لك هذا.وعندها تعانقا دون ان يقولا شيئا،كان كل منهما غنيا بالاخر.

 

 (4) المدافع عن الله *

كان في قديم الزمان رجل تقي متعبد، كثير الصلوات والأصوام، وكان كثير الكرم معروفاً لدى الجميع و محترماً من الجميع. وفي أحد الأيام زاره رجل فقير جائع وطلب منه طعاماً. فآواه وجلب له الأكل و الشراب.

وبينما كان الفقير يأكل أخذ الغنيّ يُعطيه درساً في الأخلاق و التقوى و محبة الله؛ فقال الفقير: "دعني من هذا الكلام فأنا لا أحب الله لأنه لم يكن عادلاً معي، فقد أبقاني شحاداً طول عمري"؛ وأخذ يشتم ويجدف على الله. فما كان من الغني إلا أن رفع الأكل من أمامه وشتمه و ضربه وطرده من البيت.

وفي الليل ظهر الله للرجل الغني في الحلم وقال له: "لماذا طردتَ الفقير من بيتك؟" فأجاب الغني: " لقد جدّف على اسمك القدوس يارب، وأنا دافعتُ عنك وطردتُه". فقال الله": "ومَنْ طلب منك ان تدافع عني؟ أنا غاضب منك لأنك لا تشبهني أبداً. فأنا منذ خمسين سنة وأنا أحب هذا الشحاد وأرزقه وأطعمه واعتني به رغم أنه يستمر في شتمي... أما أنت فلم تتحمله مدّة ساعة واحدة".

 

 (5) التلاميذ الثلاثة *

بعد فترة طويلة من الحياة المشتركة والدراسة والتأمُّل ترك التلاميذ الثلاثة معلمهم ليبدؤا رسالتهم في العالم.

وبعد عشر سنوات عاد التلاميذ الثلاثة إلى معلمهم ليخبروه بما جرى معهم، فأجلسهم بجانبه لأنه لم يكن يستطيع الوقوف بسبب آلامه الكثيرة. فقال الأول بكبرياء: "لقد ألّفت كُتُباً كثيرة وبعت آلاف النُسخ". فأجاب المُعلِّم: "لقد ملأتَ العالم بالورق". وقال الثاني: "لقد وعظتُ في أشهر الكنائس". فأجبه المعلم: "لقد ملأت العالمَ كلاماً". ثم قال الثالث: "عرفت أنك مريضٌ، فأحضرت لك الوسادة لتضع رجليك عليها فتستريح". فقال له المعلم باسماً: "أما أنت فقد وجدتَ الله".

 

(6) أرجوك أفعل شيئاً *

مرَّ رجلٌ قديس بطفلة صغيرة ترتدي ملابس بالية و تطلب حسنة فقال في قلبه: "لِمَ تسمح بذلك يارب؟ أرجوك أفعل شيئاً". وعند المساء جلس يُشاهد الأخبار فرأى صوراً لأطفال يُعانون من الجوع فقال في نفسه: "يارب لماذا هذه التعاسة؟ ارجوك افعل شيئاً. وفي الليل سمع صوت الربّ يقول له: "إني قد فعلت شيئاً. لقد صنعتُك أنت"!.

 

(7) المحبة *

في يوم من الايام،راجع شخصان مريضان مرضا شديدا احد مستشفيات المدينة، وبالصدفة تم ادخالهما الى المستشفى وفي نفس الغرفة.

احد الرجلين سمح له بان يقف على قدميه ويتجول لمدة ساعة يوميا، وذلك لكي يتخلص من الماء في رئتيه، وكان سريره قرب النافذة. اما الرجل الاخر فقد كان مجبرا على البقاء في سريره طوال اليوم.

ارتبط الرجلان بصداقة جميلة، واصبح كل واحد منهما على علاقة حميمة بالاخر. في كل مساء، وعندما كان يسمح للشخص الذي قرب النافذة بالوقوف، كان يمضي وقته في وصف كل ما هو جميل من تلك النافذة، لصديقه الذي لايستطيع الحراك ولا يستطيع رؤية ما كان يصفه صديقه، وفعلا تحسنت صحة ذلك الشخص الراقد على السرير نتيجة فترات تلك الساعة التي كانت تتلون بكل الوان العالم الخارجي.

كانت النافذة تطل على منتزه اخضر جميل وكبير في منتصفه بحيرة رائعة الوصف، فيها البط والاوز يسبحان وسط المياه، بينما الاطفال يبحرون بقواربهم الصغيرة، اما العشاق صغيرو السن فكانوا يتمشون يدا بيد بين الازهار من مختلف الالوان والاشكال. وفي الافق شجر بلوط كبير، وجمال المدينة يظهر بين الغيوم البعيدة.

اثر ذلك الوصف كثيرا في نفسية المريض الراقد على السرير، وتحسنت صحته. وفي احدى الامسيات، وصف الصديق لصديقه عرضا عسكريا حدث امام المستشفى، ومع ان صديقه الراقد لم يستطع سماع الاصوات الا انه استطاع ان يراه من خلال وصف صديقه الرائع.

وبعد عدة اسابيع وفي صباح احد الايام وبينما كانت الممرضة تحضر طعام الافطار للمريضين وجدت ذلك الرجل الذي يرقد قرب النافذة، قد مات بسلام اثناء نومه.

بعد ذلك بايام طلب الرجل الاخر ان ينقل قرب النافذة وفعلا قامت الممرضة بمساعدته بعد ان تاكدت من سلامته.

رفع ذلك الشخص نفسه على الوسادة على امل رؤية المنظر الرائع الذي كان صديقه يصفه له،ولكنه فوجئ بحائط اصم امام عينيه! فسال الممرضة ما الذي جعل صديقه الذي توفي يصف تلك الامور الرائعة. فاجابت الممرضة ان صديقه كان اعمى ولايستطيع رؤية حتى الحائط، ولكنه قام بذلك ليشجعك ويرفع من عزيمتك.

 

(8) القسم *

أقسم أحد أباطرة الصين، في يوم من الأيام أن يمحو عن الأرض جميع أعدائه ويقضي عليهم قضاءاً مُبرماً... وهكذا انتظر جميع الشعب انتقام الامبراطور من اعدائه واخذو يتوقعون ماذا سيفعل.

و كانت دهشة الجميع عندما رأوه في حديقة القصر مُحاطاً بجميع أعدائه الألداء مُشاركا اياهم الطعام مُبتسماً فرحاً منشرحاً. ولما ذكروه بقسمه الذي قطعه على نفسه أن يمحو أعدائه من وجه الأرض، قال"لقد وفيت بقسمي فعلاً، فالآن ليس لدي أعداء، لقد جعلتهم أصدقائي".

 

(9) خلاصك بيدك *

كان يوم زفاف الامير ودخول عروسته الاميرة الى القصر، عندما مر الموكب السعيد بجانب مشنقة نصبت لاعدام احد المجرمين. وعندما وضع الحبل على رقبة المجرم ارتاعت الاميرة وبكت. فنزل الامير الى منصة الشنق وطلب من القاضي ان كان بالامكان ان يعفو عن المجرم كهدية لزفافه، لكن القاضي رفض وتذرع بالقانون الذي لايستطيع الامير نقضه. فقالت الاميرة بصوت عال: "هنالك في مملكتنا جرائم ليس لها مغفرة؟" عندئذ تقدم احد مستشاري الامير وقال: "يوجد قانون قديم بموجبه يعفى المجرم من الاعدام ان دفع 1000قطعة ذهب".

هذا مبلغ كبير لا يمكن تحصيله بسهولة. لكن الامير اخرج محفظته وافرغ ما فيها، 800 قطعة ذهب. وبحثت الاميرة في جزدانها فوجدت 50 قطعة ذهب. وسألت: "الاتكفي850قطعة لاعتاقه"فقال القاضي: "لا1000يعني1000". فنزلت الاميرة من عربتها بين الجنود والخيالة وجمعت كل ما في جيوبهم حتى وصلت الى الرقم 999 قطعة. لكن القاضي قال: "القانون هو القانون. يجب تنفيذ حكم الاعدام". فقالت الاميرة: "هذا غير معقول ينبغي الا يموت الانسان من اجل قطعة ذهب واحدة" وعندما بدأ تنفيذ الحكم، صاحت الاميرة" فتشوا جيوبه هو لعلنا نجد شيئا". وهذا ما حدث فعلا فقد وجدوا في احدى جيوبه قطعة ذهبية كانت هي الضرورية لخلاصه.

 

 (10) كنت جائعاً فأطعمتموني *

تقول الطوباوية الأم تريزا: في إحدى الأمسيات، عندما كنتُ طفلة صفيرة، جاء أحدهم إلى بيتنا و أخبرنا عن عائلة هندوسية فقيرة عندها ثمانية أولاد لم يأكلوا شيئاً منذ أيام.

أخذت صحناً من الطعام وذهبت إلى تلك العائلة فرأيت الجوع في عيون الأطفال. إلا أنَّ الأم أخذت الصحن شاكرة فوضعت نصف ما فيه من طعام في صحن آخر وخرجت لتعود بعد قليل والصحن فارغ. فسألتها ما فعلت بالطعام فقالت وهي تُشير إلى باب جيرانهم المسلمين: "وهم أيضاً لم يأكلوا مثلنا منذ أيام". فرجعت إلى بيتي وقد تعلمت الكثير.

وتُضيف الأم الطوباوية: "تسألوني متى ينتهي الجوع في العالم؛ وأنا أجيبكم: عندما نبدأ، أنت وأنا، بتقاسم ماهو موجود".

 

Return To Spiritual Page

Home Page